لعل أصدق من يتحدث عن الوطن ويصف الكم الهائل من المشاعر تجاهه هو الذي حُرم نعمة الوطن، وعاش بعيداً عن وطنه سواءً بإرادته أو رُغماً عنه، ولعل الشاعر الكبير الرَّاحل محمود درويش هو أكثر من عَرِف معنى الوطن حيث قال:”ما هو الوطن؟ ليس سؤالاً تُجيب عنه وتمضي؛ إنّه حياتك وقضيتك معاً”.
الوطن من الفِعل وَطِن واستوطن أي أقام في المكان لا يغادره، وقد جُبلت النفوس على حُب الوطن سواءً كان مسقط رأس الإنسان أم لا، سواءً تربى وترعرع فيه وأكل من خيراته أم عاش بعيداً عنه ولم يزره طوال سنين عُمره، سواءً عاش فيه منعماً مكرماً أم عاش فيه في ذُلٍ وقهرٍ وفقرٍ واضطهادٍ، وأكبر الأمثلة على حب الوطن حب الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة المكرمة التي عانى فيها ما عانى من التعذيب والتنكيل والتَّضييق بعد الدَّعوة الإسلاميّة، وعندما جاء الأمر الرَّبانيّ بالهجرة خاطب موطنه مكة كما في رواية ابن عباس قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال: “أما والله، لأخرج منك وإنّي لأعلم أنّك أحبّ بلاد الله إليّ وأكرمه على الله، ولولا أنّ أهلك أخرجوني ما خرجت”.
تمتدّ مساحة الوطن لتشمل مساحاتٍ أكبر وأوسع ونتشارك مع أُناسٍ آخرين في العقيدة والنّسب والمبادىء والقِيم والهموم والأفراح والحدود وهي ما يُطلق عليه مفهوم الوطن العربيّ الكبير الذي يمتد من المحيط إلى الخليج ليشمل العرب جميعاً.
كيفية النُّهوض بالوطن
تحديد دستورٍ ثابتٍ للوطن، واضح الأسس والمعايير من غير محاباةٍ أو مداهنةٍ في سنّ القوانين أو تطبيقها؛ فالعدل أساس تطور الأمم وازدهارها.
اختيار رجالات الدّولة من ذوي الخبرة والكفاءة العلميّة والعمليةّ؛ بحيث يُوضع الرّجل المناسب في المكان المناسب حتى يخدم الوطن بما يتناسب مع قدراته وكفاءته، مع توفير نظام مراقبةٍ ومحاسبةٍ صارمٍ وعادلٍ مع الجميع.
توحيد جميع أطياف الوطن تحت رايةٍ واحدةٍ هي راية الوطن وعلم البلاد، مهما اختلفت أديانهم وأعراقهم ومعتقداتهم؛ فرُقي الوطن وأمنه واستقراره خيرٌ يعم على جميع مواطنيه.
بناء مجتمع يقوم على الديموقراطية والعدالة والمساواة ونبذ الطائفية والعُنصرية والقبليّة والمحسوبيّة وتهميش الأقليات العِرقيّة أو الدينيّة، ولنا في المجتمع اليابانيّ أو الصينيّ مثالاً يُحتذى به في دمج كل فئات الوطن بما فيه مصلحة الوطن الكُليّة.
النهوض بالوطن اقتصادياً من خلال تشجيع المواطن على العمل والإنتاج والابتكار، تشجيع الإستثمار في الوطن بدلاً من الدُّول الأخرى، زيادة الدَّخل وتحسين أجور الموظفين لدفعهم لمزيدٍ من العطاء، تشجيع المشاريع السياحيّة والسياحة الدينيّة.
النهوض بالزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض وتوفير أموال للوطن.
النهوض بالتعليم ونشره بين المواطنين ومحاربة الجهل والأمية.
محاربة جيوب الفقر والتي تدفع بالوطن إلى الانهيار الاقتصادي والأخلاقي