مقالة اليوم

بحث عن تطوير الذات

بحث عن تطوير الذات

تطوير الذات

معنى تطوير الذات هو المنهج الذي ينتهجه الإنسان في حياته ويتحصل من خلاله على عدة أمور تجعله يشعر بالقوة والرضا عن نفسه وعن عمله، وتجعله يشعر بالسلام والأمان الداخلي، وتعينه على التركيز على أهدافه في الحياة التي يعيشها، ويكمن هذا المنهج في عدة أمور أبرزها اكتساب المهارات والمعلومات والسلوك الذي يعينه على كل ما ذكرناه سابقًا.

والتطوير الذاتي له عدة مدلولات وهي كثيرة، فالحرص على تربية النفس والسعي إلى جعلها أفضل هو تطوير للذات، والحرص على أن تكون إرادة الإنسان ذاتية لا يتم التأثير عليها خارجيًا وتكون هذه الإرادة إيجابية، فيعدّ ذلك تطوير للذات وارتقاء للإنسان.

وقد تحدث الفيلسوف أفلاطون عن هذا الأمر في فلسفاته فقال: أنّ قيام الإنسان على تربيته لذاته يعد أفضل بكثير من قيام الآخرين على تربيته، وذلك أنّه يربي نفسه على حسب قناعاته الإيجابية الذي يرى فيها السلامة، وذلك فان أفلاطون يؤيد فكرة أن يقوم الإنسان بتطوير ذاته والعمل على اكتساب المهارات والسلوكيات الإيجابية والتقيد بها ونبذ السلوكيات والأمور السلبية والابتعاد عنها حتّى يتمكن من تطوير ذاته والارتقاء بنفسه.

ومن كلّ ما سبق ومن هذا المنطلق يتضّح لنا ويتبين أهمية تطوير الذات التي يجب أن يحرص عليها الإنسان حتّى يرتقي بنفسه يصبح مثقفًا وواعيًا، وقد قام علماء الأخلاق وعلماء الإدارة وعلماء النفس وعلماء الاجتماع في التسابق فيما بينهم من أجل تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات وإعدادها، والتي حرصوا من خلالها على توضح وتبيين أهمية تطوير الذات عند الإنسان وكيفية القيام بذلك سواءً أكان التطوير على مستوى الأفراد أو على مستوى المجتمع، وذلك حرصًا منهم على بناء مجتمع مستقيم ومتطور، فلا يوجد شك أنّ أساس تطور المجتمعات هو تطور الأفراد فيها، وأساس كل ذلك هو العمل على إكساب المهارات التي تؤدي إلى نهوض الأفراد وتطوير ذواتهم، وبالتالي ينعكس ذلك على المجتمع ككل، فيصبح المجتمع متطورًا وفاعلًا.

وقد أودع الله -عز وجل- في ذات الإنسان مهارات عديدة وسلوكيات كثيرة وقدرات جميلة، والتي إذا قام الإنسان باستغلالها جيدًا فإنّها تساهم بشكل كبير في تطوير الإنسان لنفسه ولذاته وإلّا لكان أصبح كالحيوان، فالحيوان لا يمكن أن يطور من ذاته، فهذا أمر غير متاح له كما الإنسان، وذلك أنّ الله -عزّ وجل- قد خصّ الإنسان بصفات عديدة وكثيرة ميزته عن غيره من المخلوقات، ومنها تكريم الله -عز وجل- له، فقد قال -عز وجل- في كتابه الكريم: (ولقد كرّمنا بني آدم)، فسبحان من أكرم الإنسان وميّزه عن غيره من المخلوقات بأن جعله قادرًا على القيام بتطوير ذاته والعمل عليها حتّى يصبح فاعلًا ونشيطًا في المجتمع الذي هوا فيه، ويوجد كثير من صور تطوير الإنسان لذاته كبحثه عن رزقه والعمل من أجل كسب ذلك، فيعدّ ذلك تطوير لحياته المعيشية ونحو ذلك الكثير.

مهارات تطوير الذات

حين تدرك بأنَّ ثابت الحياة هو التجدُّد؛ إذ تتغيَّر المعلومات، وتتبدَّل الظروف، وتتقلَّب الأحوال في عالمنا بشكل سريع ومتواصل، فإنَّ ذلك سيفرض عليك – إن أردت أن يكون لحياتك معنًى – أن تطوِّر ذاتك، وتحسن من مواقفك، وتَرْقَى بمستوى أساليبك بشكل مستمرٍّ، ولعل من أبرز ما يجب أن تقوم به لتحقيق ذلك ما يلي:

انطلق من القِيَم: قِيَم الإسلام ومبادئه العظيمة هي مرتكزُ فاعلية المسلم، التي تَبعث في نفسه الرغبةَ في الاستقامة، وتولد فيه النضجَ، والشعور بالمسؤولية، فيدفعه ذلك لينموَ بخطوات ثابتة، فإذا أردتَ أن تتطوَّر، وأن تُحدث تغييرًا حقيقيًّا في حياتك، فالْتزم قِيَم دِينك ومبادئه، وانطلق منها في تصحيح تصوراتك وسلوكياتك، إذْ كلَّما ازداد التزامك بها وتوافقك معها، كلَّما زادتْ جديتك، وفُرص تفوقك، وقدرتك على القيام بأعمالك بفاعلية وإجادةٍ أكثر.
تعاهد إيمانك: يُهذِّب الإيمان العقل، ويُقوِّي الرُّوح، ويُبعِد النفس عن الحيْرة والاضطراب والقلق، ويبعث العزيمة، ويدعم الثِّقة، ويُجدِّد الطاقة، ويُفتِّح الطاقات والمواهب، ويدفع صاحبَه للنمو والتجدُّد، فجاهدْ نفسك وكابدها، حتى يقوى إيمانها ويتجدَّد، فإنَّه يَبْلى في النفس كما يَبلى الثوب الخَلق.
حدد غايتك: إذا عرف المرء ما يُريد، أمكنه تحديد مسارِه، والعمل على الوصول إلى بُغْيته، وذلك ما سيجعل لحياته معنًى ونظامًا، فابدأْ دومًا والنهاية في ذِهنك، وقُم بتشكيل مستقبلك بيدك، من خلال تحديدك لأهدافك، وقيامك بوضْع خطَّة مناسبة لتنفيذها، ومِن ثَمَّ القيام بترجمة تلك الخطَّة إلى واقع عملي ملموس.
رتب أولياتك: تختلف الأمور بيْن مُهمٍّ وغير مهم، والأمور المهمَّة تتفاوت مقاديرها بيْن مهم وأكثرَ أهمية، والأكثر أهمية بالنِّسبة لك هو الذي يُسهِم في تحقيق أهدافك بمقدار أكبر، وسِرُّ النجاح يكمن في ترتيب الأولويات، والبَدءِ بالأهم قبلَ المهم، فإذا أردتَ أن تترقى في سُلَّم الكمال، فألغِ الأنشطة غير المهمَّة من حياتك، وعِش في دائرة المهم، وأثناء وجودك فيها تجنَّبْ جَعْلَ الأمور التي هي غاية في الأهمية تحتَ رحمة ما هو أقل منها أهمية.
تعلم لتعمل: العلم في هذه الدنيا أغْلى سلعة، وأنفسُ متاع، فهو يُبصِّر بطريق السلامة، ويحذِّر من طريق الغَواية، ويدفع للإبداع والابتكار، يبقَى به صاحبه متجددًا، ويعرف به ماذا يفعل، وكيف، ولماذا يفعل؟ فابذلِ الوسع في طلبه، واحرصْ على تعلُّم ما ستعمل به، وما يعود منه عليك بالنفع دُنيا وأخرى، ولا تجعل منه سبيلاً للتجمُّل، ومجالاً للترف العقلي البعيد عن الواقع؛ لأنَّ المعرفة حين لا تخدم هدفًا، أو يُمارس من خلالها عملٌ، تصبح عبئًا ثقيلاً لا يُجدي شيئًا.
ارتقَ بتفكيرك: تُعدُّ القُدرة على التفكير السليم أبرزَ ما يتميَّز به الإنسان، فهو مِفتاح النمو العقلي والسلوكي، والبوَّابة الصحيحة للإبداع والابتكار، فاكتسابك له، وتدربُك على مهاراته، قضيةٌ ضرورية بالنسبة لك، إن كنت تريد أن تنموَ وتتطور، حتى تتمكَّنَ من تحسين وضعِك، وتجاوز مشكلاتك، وسدِّ الفجوة بين واقعك وغاياتك.
تفاءل: ازرعِ الفَأْلَ الحسن داخلَك، وعدِّل من مواقفك؛ لتكون دومًا إيجابيَّةً، بعيدةً عن التشاؤم، فذلك سيزيد من فاعليتك، ويملكك رُوحَ المبادرة، ويقودك في زمن الظلمة إلى البحْث عن الأمل، والتركيز على الفُرص المتاحة للعمل، ويبعدك عن الانهزاميَّة، والشعور باليأس والإحباط، وغيرها من الصِّفات السلبية التي من يُصاب بها، فلن يتطوَّرَ أبدًا.
ثق بقدراتك: نجاحك ينبثق من داخلك؛ ولذا فنظرتك لنفسك وطريقتك في التعامل معها تؤثِّر على نُضْج أفكارك، وجودة أدائك، فإذا أردتَ أن ترقى بذاتك فاحترمْها، وعزِّز من ثقتك بقدراتك، فقدرتُك على النجاح في حياتك، وإتقان عملك مرهونٌ بمدى ثقتك بإمكاناتك، وكلَّما ازداد احتقارُك لذاتك وانتقاصك لقدراتك، كلَّما شعرتَ بهبوط عزيمتك، وتدني همَّتك، وضعْف أدائك، وعدم حيويتك، ومَن كان كذلك فلن ينمو أبدًا، ولن يكون قادرًا على تحقيق غاياته على هيئة أمثل.
استمعْ لتفهم: الاستماع أداة الفَهْم، فإذا أردتَ أن تنمو، فقلِّلْ كلامك، واستمعْ أكثر بغرض أن تفهم، وحين تستمع افترضْ أنك لم تفهم، وأنك بحاجة إلى أن تستمع أكثرَ، وعندها ستكون على اطلاع دائم بما يَجري حولك، وسينضج مستوى تفكيرك، ويتركَّز حديثك، وسيفهمك الآخرون بشكل أفضل.
حسِّنْ علاقاتك: تعايشك الراقي مع الآخرين، وعلاقاتك الحَسَنة معهم هي التي تصنع النجاحَ أو الفشل، فكن مبادرًا في تعزيزها، وإصلاح ما فَسَد من الودِّ فيها، باحترام الآخرين، وخَفْض الجَناح لهم، وقَبولهم وتَفهُّمهم، ومراعاة مشاعرهم وظروفهم، واحتياجاتهم ومصالحهم، والقيام بإقناعهم وتحقيق توقعاتهم، مع تخفيف التوقُّعات الإيجابية منهم، وتجنب ما يغضبهم، وافتحْ باب الحوار الحرِّ معهم، فذلك بوَّابتك للاستفادة والتعلُّم الجيد منهم.
توازن: حُبُّ الأشياء، وسَعة العلاقات، وتضخُّم العمل، وزيادات تعقيداته في عصرنا، تجعل بعضَ جوانب الحياة تحيط بالشخص، وتستغرق جميعَ أوقاته، وحيث إنَّ شخصيتك تتكوَّن من جوانب عدَّة، ولك في حياتك أدوار مختلفة، فأنت مطالَبٌ بالتوازن والاعتدال بيْن ذلك كله، إن أردتَ أن تحتفظ بمعنويات أعلى، وبقُدرة على عطاء أطول، وإبداع أكثر، وأن تبتعدَ عن جوِّ التوتُّر والصراع، وتحيَا حياةً سوية.
تدَّرج: تدرج مع نفسك، وخُذْها نحوَ مراقي الكمال شيئًا فشيئًا، فإنما تُنال بَسْطةُ العلم من خلال المثابرة في مواصلة التعلُّم، وقبل أن تصل إلى مرحلة الكمال سدِّدْ وقارب، وارضَ بأفضل الممكن، وأعطِ الزمن بُعْدَه، وإياك أن تستعجلَ وتقفز على واقعك، فتطالب نفسَك بما يملك غيرُك، فإنَّ ذلك مُودٍ بك إلى الإحباط والشعور باليأس.
ارفق بنفسك: لا تنظرْ إلى الحياة بجدية أكبر، ولا تُشدِّد على نفسك فتُحمِّلها فوقَ طاقتها، وتكون حازمًا معها أكثر، فإن المنبتَّ – الذي يسير سيرًا شديدًا – لا يقطع أرضًا، ولا يُبقي ظهرًا، وقم – بدلاً من ذلك – بالرِّفق بنفسك، وبتشجيع جوِّ المرح في حياتك، وغرْس حِس الدعابة في أعماقك، فإنَّ ذلك سيبعدك عن التوتُّر، ويُقوِّي صِلاتِك، ويرفع معنوياتِك، ويترك أثرًا في نفسك لتتغيرَ نحو الأفضل.
ركِّز جهودك: يوجه التركيز المرءَ وينظمه، ويمنعه من التشتُّت، ويقوِّي إرادته ومثابرته، ويَزيد من إنتاجيته وفاعليته، ويُشعره بالهدوء والاطمئنان، فإذا أردتَ النمو، فاخترْ جانبًا من جوانب حياتك تجد نفسك فيه، واقصرْ اهتمامك عليه، ولا تشتغلْ في غالب وقتك بسواه؛ حتى لا تكون ممَّن يعطي جزءًا من وقته لكلِّ شيء، فيخرج بلا شيء، وقُمْ بتقسيم الجانب الذي اخترتَ إلى أجزاء، وإذا بدأتَ بجزء منها فواظِبْ عليه، واستمرَّ في تنفيذه، حتى تنتهيَ منه مهما كانتِ الصعاب، فذلك فقط طريقك نحوَ التميُّز، ومنفذ النجاح.
بادر إلى العمل: يلتهم التسويفُ الآمالَ والطموحات، ويولِّد الإحباطَ واليأس، ويُصادر الفاعلية، ويَحُول دون بلوغ الأهداف، ويهمِّش دَورَ المرء في الحياة، فإن أردت ألاَّ تكون نكرةً في هذه الدنيا، فدَعِ التسويف، وعِشْ دومًا في دائرة العمل، فإن ركيزة النجاح وقوامه العمل، ومهما كانتِ الأفكار التي تملكها ناضجة، فإنَّها بدون تنفيذ ستبقى مجرَّدَ أمنية وحُلم، فإذا أردتَ النمو وطمحتَ في التفوق، فسيطرْ على ذاتك، واحملْها على بَدءِ التنفيذ، والمسارعة إلى العمل.

التطوير الذاتي

التطوير الذاتي هو منهج يعمل على تنمية واكتساب أي مهارة أو معلومة أو سلوك تجعل الإنسان يشعر بالرضا والسلام الداخلي، وتعينه على التركيز على أهدافه في الحياة وتحقيقها وتعدّه وتجهزه للتعامل مع أي عائق يمنعه من ذلك. وهذا التعريف مبني على افتراضات مهمة، منها أنّ أسمى أهداف الإنسان المسلم وغاياته هو الوصول إلى الجنة، ولابد أن يصرف حياته كلها في سبيل هذا الهدف، ولذا فمن المفترض أن يكون هذا الهدف أول الأولويات وأن تقاس باقي أهداف الإنسان من حيث أهميتها على هذا الهدف، فالسعي لتحصيل المال كهدف مثلاً لا بد أن يتماشى مع هذه الغاية في الوصول للجنة، وكذلك الأمر مع أي هدف دنيوي آخر غير جمع المال

أهمية تطوير الذات

هناك فجوة كبيرة بين مهارات ومعلومات نظم التعليم وبين ما يحتاج المرء فعلاً ولا بد لهذه الفجوة أن تُسدّ.
سوق العمل الجديد لا يرحم ويحتاج إلى مهارات ومعلومات جديدة، فإذا لم تكن ممن يضيف جديداً عليه فستصعب عليك المنافسة.
ضغوط الحياة تزداد ولا بد من أن تتعلم طرق جديدة ومفيد ة للتعامل معها.

أركان تطوير الذات المهمة

معرفة كيف تتواصل مع نفسك ومع الآخرين.
معرفة كيف تتعلم.
معرفة كيف تدير أمورك المالية واتقان مهارات الاستقلال والاكتفاء المالي.

أولى خطوات تطوير الذات

نزل أحدهم من بيته ووقف أمام الباب وهو في كامل أناقته وحسن هندامه، أخذ يشير بيده إلى سيارة أجرة وبالفعل لم تمر بضع ثواني حتى توقفت أمامه سيارة أجرة، فتح الباب وركب السيارة فنظر إليه السائق في أدب واحترام وسأله إلي أين تريد الذهاب يا سيدي؟ صمت صاحبنا برهة غير قصيرة والسائق ينتظر رده وعندما طال انتظاره سأل الراكب مرة أخرى وقال له: عفواً أين تريد أن نتوجه يا سيدي؟ رفع الراكب رأسه وتنحنح وكأنه يبحث عن صوته ولمع في عينيه حيرة محبطة ملأت المكان وقال: لا أدري. لم يصدق السائق نفسه وقال: ماذا؟ لا تدري إلى أين تذهب؟ جاء الرد خجولاً مهزوزاً: نعم.

سؤالي لك ماذا سوف تفعل لو كنت أنت هذا السائق؟ هل سوف تطرد الراكب؟ أم هل تشك في قواه العقلية؟ أو ماذا أنت فاعل؟ مهما يكن رد فعلك فلا أظن أنك ترضى عن سلوك ذلك الراكب وهذه حقيقة فكلنا في الغالب لن نرضى عن مثل هذا السلوك من الضياع والحيرة، ولكن هل سألت نفسك أين تريد أن تذهب بحياتك أنت بعد خمس أو عشر سنوات من الآن؟ هل عندك وجهة تولي وجهك شطرها؟ هل تعرف إلى أين تقود عربة حياتك؟ هذه الأسئلة قد تكون غريبة بعض الشيء ولكنها مهمة جداً حتى لا يكون المرء في حياته مثل ذلك الراكب التائه الذي لا يدري أين يذهب.

إن أول خطوات تطوير الذات بل إن أهم خطوات النجاح في الحياة على الإطلاق هي معرفة الإنسان لرسالته وهدفه في الحياة التي تصبح ضرباً من العبث، أو على أحسن الأحوال، مكافحة المشاكل والعيش في منطقة ردود الأفعال، فكيف يمكن للمرء أن يكون مبادراً وهو لا يعرف ما يريد؟

إن اختلاف الشخصيات والقيم والقناعات والتصورات التي بينتها في هذا الموقع تعلمنا أن الإنسان وقدراته تختلف عن أي مخلوق آخر، فلقد كرمه الله بهذا التميز والاختلاف حتى يستطيع أن يُعمّر الأرض، ويبلغ في طريقه إلى الله بإحسان النية فيما يقول أو يعمل، حتى تنقلب عاداته عبادات فيسلك منهج الأولين في التقرب إلى الله.

إن هذا الاختلاف بيننا يعتبر مثالاً على عظمة قدرة الله وحكمته، حيث خلق لكل جانب من جوانب عمارة الأرض خلقاً مُهيّئين خصّيصاً للقيام بذلك الجانب؛ فمن الناس من يحب خدمة الآخرين، ومنهم من يحب المعرفة والعلم، ومنهم من يحب الأمن والاستقرار وتوفيرها لنفسه وللآخرين، ومنهم من يعشق الجمال والمتعة في مخلوقات الله وكونه البديع ويحب إبرازها وإظهارها. لذا يجدر بكل واحد منا أن يحوّل هذه الطبائع التي فطره الله عليها وتعوّد عليها إلى عبادات ينال بها رضا الله، ويحتاج في ذلك إلى فهم نفسه ومعرفتها، ومن ثمَّ استحضار النية السليمة عند القيام بما يميل إليه من أعمال.

بعدما يعرف الإنسان من هو بالتحديد وما هي غايته الخاصة في الحياة، وما هو دوره المحدد في عمارة الأرض، يسهل عليه معرفة ما يحتاج من برامج ودورات وكتب للوصول إلى ما يريد، وعندئذٍ لا يصبح صيداً سهلاً للباحثين عن المال أو الشهرة في عالم التدريب، ولا لأبواق التكرار وتقديم المُسكّنات الآنية لاحتياجاته التطويرية، ومن جهة أخرى تساعد هذه المعرفة بالذات من يحصل عليها على معرفة ما هي عيوبه ومميزاته، وبالتالي معالجة العيوب وتعزيز المميزات بشكل واقعي ومنهجي، وليس التخبط في عالم التدريب أو القراءة بحثاً عن أجوبة قد تكون مجرد حلول لمشكلات نشأت عن عدم معرفة نفسه جيداً، أو عن مشكلات أعمق.

تطوير الذات ومفهومه

تطوير وارتقاء بالإنسان ومن الواقع أن يتم تطوير الإنسان تلقائياً منذ ولادته، فتقوم الأسرة والمدرسة والمجتمع بتطوير الإنسان وتربيته وتنشئته على الأخلاقيات، وتعويده لئن يطور ذاته، ولكن تدخل الإنسان في تطوير ذاته هو من أهم وأجل الأعمال التي يقوم بها ليتمكن من تطوير ذاته، وقد أكد أفلاطون في فلسفاته أن تربية الإنسان لذاته لها وقعها في النفس أكثر بكثير من تربية الآخرون له، ولذا فهو يؤيد أن يطور الإنسان ذاته ويكسبها سلوكيات إيجابية ونبذها للسلوكيات السلبية. من هذا المنطلق يتّضح أهمية تطوير الذات ،وقد تسابق علماء الإدارة وعلماء الأخلاق وعلماء النفس والاجتماع في تأليف الكتب وإعداد المحاضرات في أهمية الذات، إذ إن تطوير الذات مهم سواء على المستوى الفردي أو المجتمع، ولا شك أن الله سبحانه أودع في ذات الإنسان مهارات وقدرات يجعلها تساهم في تطوير الإنسان لذاته، وإلا أصبح كالحيوان لا يستطيع أن يطوّر ذاته، فسبحان من أكرم بني آدم وجعله قادراً على تطوير ذاته.

هناك مؤشرات ودلائل تؤكد على تطوير الإنسان لذاته، فمثلاً: تطوير ذاته التعليمية هو قيامه بواجباته الدراسية والحفظ والمذاكرة، كذلك اهتمامه بالنظافة تطوير لذاته الجسمية، ومسعى الإنسان للبحث عن الرزق هو تطوير لذاته المعيشية، وهكذا، إلا أنّ الناس يتدرّجون في تطوير ذاتهم؛ فكلما حرص الإنسان على تطوير ذاته أصبح له شأن كبير في المجتمع، وكلما ضَعُفَ قلّ شأنه في المجتمع. بعد فترة ليست بالقصيرة في مجال تطوير الذات والتطوير الإداري لوحظ أن مفهوم تطوير الذات غير واضح وليس له تعريف يضبطه، بل يعود الأمر إلى المدربين والمهتمين والمتلقين، كما أنه ليس هناك منهج تطوير للذات يمكن للإنسان أن يطمئن له، لذبك تجد الكثيرين من يحدّدون نظاماً خاصّاً بهم، يبدأ بتنمية الثقة بالنفس، وتأتي على نوعين:

الثقة الملطقة بالنفس: هي التي تسند إلى مبررات قوية لا يأتيها الشك من أمام أو خلف، فهذه ثقة تنفع صاحبها وتجزيه إنك ترى الشخص الذي له مثل هذه الثقة بنفسه يواجه الحياة غير هياب ولا يهرب من شيء من منغصاتها، يتقبلها لا صاغرًا ولكن حازمًا قبضته مصمماً على القيام بجولة أخرى، أو يُقدم منطلقاً دون أن يفقد شيئاً من ثقته بنفسه، مثل هذا الشخص لا يؤذيه أن يسلِّم بأنه أخطأ وبأنه فشل، وأنه ليس ندّاً في بعض الأحيان .
الثقة المحددة بالنفس: في مواقف معينة تضيع هذه الثقة أو تتلاشى في مواقف أخرى، وهذا اتّجاه سليم يتخذه الرجل الحصيف الذي يُقدّر العراقيل التي تعترض سبيله حق قدرها، ومثل هذا الرجل أدنى إلى التعرف على قوته الحقيقية من كثيرين غيره، وقد يفيده خداع النفس ولكنه لا يرتضيه، بل على العكس، يحاول أن يقدر إمكاناته حق قدرها، فمتى وثق بها عمد إلى تجربتها واثقًا مطمئنًا. إنّ أكثر الناس لا يثقون بأنفسهم، فعدد الخارجين على هذين النوعين المثاليين في الثقة بالنفس يفوق كل تقدير، وأكثرهم يطبعهم افتقاد الثقة بالنفس، فلماذا كان أكثر الناس ضعاف الثقة بأنفسهم؟ يقول عالم النفس الشهير ألفريد أدلر: إن البشر جميعاً خرجوا إلى الحياة ضعافاً عراة عاجزين، وقد ترك هذا أثراً باقياً في التّصرف الإنساني، ويظل كل شيء حولنا أقوى منا زمناً يطول أو يقصر، حتى إذا نضجنا ألفينا أنفسنا كذلك، تواجهنا قوىً لا حول لنا أمامها ولا قوة، ويقفل علينا شرك الحياة العصرية المتشعبة، كما يقف الشَّرَك على الفأر، فهذه الظروف القاهرة التي نخلق ونعيش فيها تترك في الإنسان إحساساً بالنقص، ومن ثم تنشأ أهداف القوة والسيطرة التي توجه تصرفات البشر، ولعل في هذا الكلام شيئاً من الصحة يتوافق مع قول الله تبارك وتعالى: (وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفا)، وقوله عز وجل: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً). وإذا سلك الإنسان طريقه في الحياة آخذاً بأسباب القوة والنجاح فإنه يزداد قوة وثقة بنفسه مع الوقت، ومع ذلك فواحدة من أحدى الخطوات في اكتساب الثقة بالنفس أن يدرك الفرد مدى شيوع الإحساس بالنقص بين الناس، فإذا جعلت هذه الحقيقة ماثلة في ذهنك يزول شعور انفرادك دون سائر الخلق بما تحسه من نقص، ولأن الإحساس بالنقص من الشيوع بمثل ما ذكرنا لذلك يجاهد الناس لاكتساب الثقة بالنقص حتى يرتفعوا إلى مستوى عالٍ مرموق.

بعض أسباب عدم الثقة بالنفس:

تهويل الأمور والمواقف بحيث تشعر بأن من حولك يركزون على ضعفك ويرقبون كل حركة غير طبيعية تقوم بها.
الخوف والقلق من صدورك للتصرف المخالف للعادة حتى لا يواجهك الآخرون باللوم أو الاحتقار.
إحساسك بأنك إنسان ضعيف ولا يمكن أن تقدم شيء أمام الآخرين بل تشعر بأن ذاتك لا شيء يميزها وغالياً من يعاني من هذا التفكير الهدّام يرى نفسه إنسان حقير ويسرف في هذا التفكير حتى تستحكم هذه الفكرة بمخيلته وتصبح حقيقة للأسف.
وتعتبر النقطة الثانية أخطر مشكلة لأنّها تدمرك وتدمر كل طاقة إبداع لديك، فعليك أولاً أن تتوقف عن احتقار نفسك والتكرير عليها ببعض الألفاظ التي تدمر شخصيتك مثل القول: (أنا غبي )، أو ( أنا فاشل )، أو ( أنا ضعيف )، فهذه العبارات تشكل خطراً جسيماً على النفس، وتحطمها من حيث لا يشعر الشخص بها لذلك يجب أن تعلم بأن هذه العبارات ما هي إلا معاول هدم، فعليك من هذه اللحظة التوقف عن استخدامها؛ لأنها تهدم نفسيتك، وتحطمها من الداخل، وتشل قدراتها إن استحكمت على تفكيرك، ولا تنسى أن تُحدّد مصدر هذه المشكلة والإحساس بالنقص.

كيف تطور ذاتك ؟

جدد حياتك، ونوع أساليب معيشتك، وغيّر من الروتين الذي تعيشه.
إذا أردت العسل فلا تحطّم خلية النحل.
ابسط وجهك للناس فقد تكسب ودّهم، وكن ليّن الكلام يحبوك، وتواضع لهم يجلّوك.
عليك بالمشي والرياضة، واجتنب الكسل والخمول واهجر الفراغ.
لا تضيّع عمرك بالتنقل بين التخصصات والوظائف والمهن، فإن معنى هذا أنك لم تنجح في شيء.
ابتعد عن مصاحبة المحبطين.
كن واسع الأفق والتمس الأعذار لمن أساء إليك كي تعش في سكينة وهدوء وإياك ومحاولة الانتقام.
لا تكلّس تفكيرك ما يزال الرجل عالماً مادام حريصاً على العلم والتعلم، فإن ظن أنّه قد علم فقد جهل.

السابق
الهالات السوداء تحت العين
التالي
أجمل حلويات العيد