ما هي بنود قانون “قيصر” الأمريكي ضد سوريا؟، وكيف سيكون تأثيره على الاقتصاد السوري؟ وهل سيكون هناك مفاجآت؟.
قبل الدخول بتعريف وبنود قانون قيصر، يجب التنويه على حقيقة أن أمريكا لم تترك مجالا لحرق الاقتصاد أو الإنتاج الزراعي أو الصناعي أو المالي السوري إلا واتبعته، والعقوبات التي تفرضها على سوريا منذ سنوات وصلت بسوريا إلى وضع صعب جدا (ارتفاع أسعار وهبوط قيمة الليرة السورية وأزمات مواد طاقة مثل الغاز والمازوت والكهرباء)، ولكن في الحقيقة أن فكرة محاصرة سوريا بالمطلق هي فكرة مستحيلة في ظل وجود لبنان والعراق، وعشرات آلاف المصانع السورية وإنتاج زراعي سوري قادر على إطعام الشعب السوري وإمكانية التصدير في بعض الأحيان، وآبار غاز تنتج منها سوريا الكهرباء الخاصة بها، وملايين المغتربين الذين يحولون يوميا حوالي 4 مليون دولار يوميا.
تعريف قانون قيصر
قانون قيصر الأمريكي المعروف أيضاً بإسم “قانون سيزر”، هو أحد القوانين لفرض العقوبات مجدداً على سوريا، وهو تشريع أمريكي يعاقب الحكومة السورية وكل من يتعامل معها من شركات أو دول أو أفراد.
أقر مجلس الشيوخ القانون كمشروع في ديسمبر/كانون الثاني لعام 2019، وبعد بضعة أيام وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذا القانون، ليصبح قانوناً يعمل به وليس مشروع قانون.
ويوصف القانون على أنه خنق اقتصادي للدولة السورية من أجل تعديل سلوكها السياسي، إذ يشمل فرض العقوبات الاقتصادية القسرية على دمشق وكل من يقدم الدعم لها، متضمنة المعامل والمنشآت الصناعية وكل من شأنه تقديم التمويل أو المساعدة لدعم الحكومة السورية.
إقرأ أيضا:كيفية ادارة الوقت بفعاليةويفرض التشريع العقوبات على الكيانات والدول التي تتعامل مع الحكومة السورية ووكالاتها العسكرية والاستخبارية، مثل الكيانات الإيرانية والروسية.
وأصبح قانون قيصر لعام 2019 جزءاً من قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2020 وفقاً لتقرير مجلس النواب.
تجدر الإشارة إلى أن العقوبات والضغوطات السياسية والاقتصادية المفروضة على سوريا لا تجلب العدالة لأي شخص، بل تزيد الخناق على الشعب السوري والحكومة بشكل عام، وهي بالأحرى وسيلة للضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة السورية وحلفائها.
وتتكرر مصطلحات “الاستجواب والمساءلة” في نص قانون قيصر، مما يشير إلى أن هناك نوع من “المراوغة” من قبل الأمريكيين في القانون، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحدث عن تعزيز قضية المساءلة كما ذكرت وزارة الخارجية في بيانها في 20 ديسمبر/كانون الأول والذي تضمن: “قانون قيصر يزود الولايات المتحدة الأمريكية بأدوات للمساعدة في إنهاء الصراع المروع والمستمر في سوريا من خلال تعزيز المساءلة للنظام السوري”.
وقد يعتقد البعض أنه سيكون هناك آليات للمساءلة، وتوثيق وملاحقة قانونية واتخاذ الإجراءات القانونية ضد من تعتبرهم واشنطن أعداءها في سوريا، لكن في الواقع يتم تطبيق القانون كأنه ينص على اتخاذ مجموعة من الإجراءات والعقوبات ضد شخصيات معينة في سوريا، مثل الرئيس وأي حزب يقدم الدعم للدولة السورية.
مما يعني أنه سيتم تطبيق هذا القانون كأداة ضغط سياسية تهدف إلى إجبار الدولة السورية على تقديم تنازلات سياسية، خاصة فيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة.
إقرأ أيضا:كيفية تطوير الذاتالبنود الأساسية لقانون قيصر
يتضمن قانون قيصر أربعة بنود رئيسية تتعلق بفرض عقوبات على الحكومة السورية وحلفائها:
البند الأول: فرض عقوبات على الأجانب الداعمين للدولة السورية:
يستهدف القانون في البند الأول مصادر الأموال التي تقدم الدعم للحكومة السورية، ويسمح بفرض العقوبات من قبل الرئيس الأمريكي بعد مرور 180 يوماً من بدء تطبيق القانون، وذلك على الأجانب المشاركين في معاملات مالية أو فنية مع مؤسسات الحكومة السورية، والمتورطين في المساعدة بإصلاح أو توسيع إنتاج سوريا المحلي من الغاز والنفط أو مشتقاته.
كما يفرض عقوبات على المقاتلين العسكريين الذين يقاتلون من أجل الحكومة السورية أو روسيا أو إيران أو أي طرف كانت العقوبات قد فرضت عليه في السابق.
هذا بالإضافة إلى الدول التي تبيع الطائرات أو توفرها للاستخدام العسكري في سوريا، والذين سبق لهم بشكل مباشر أو غير مباشر تزويد الحكومة السورية بالخدمات الإنشائية أو الهندسية.
وفيما يتعلق بمناطق النازحين في سوريا، يجب على الرئيس الأمريكي تحديد تلك المناطق ومن يسيطر عليها ومعرفة أسباب التهجير القسري للناس منها، وذلك لضمان منع الأجانب من دخولهم بعقود إعادة الإعمار لهذه المناطق، والتي قد تفيد الحكومة السورية وحلفائها.
وتشمل العقوبات أيضاً الاستيلاء على الممتلكات ومنع التأشيرات أو أي مزايا أخرى من خدمات الهجرة الأمريكية للسوريين، مع السحب المباشر للتأشيرات النشطة وفرض الغرامات على الأشخاص المتورطين فيها.
إقرأ أيضا:نصائح لتخفيف ألم الدوالي أثناء الحملالبند الثاني جاء فيه: “معاقبة من يقوم بانتهاك حقوق الإنسان”:
في البند الثاني، يفرض القانون العقوبات على الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد أسرهم.
يحدد القانون مجموعة من الأشخاص الذين يُقترح أن تشملهم العقوبات، ويجب إدراج أسمائهم في قائمة من قبل الرئيس الأمريكي في غضون 300 يوماً من بدء تطبيق القانون، بعد أن يقرر ويتأكد فيما كانوا مسؤولين أو مشاركين في انتهاكات حقوق الإنسان.
البند الثالث: “حماية المدنيين ومساعدتهم”:
يتضمن البند الثالث مساعدة السوريين من خلال دعم برامج المساعدة الحالية، وتقديم السبل الممكنة لتحسين حماية المدنيين، وهذا يتطلب تقارير من عدة وكالات أمريكية، وهو ما يعني الأساليب العسكرية وغير العسكرية لحماية المدنيين الذين تعرضوا للتفجيرات أو تقطعت بهم السبل على الحدود أو الذين نزحوا.
وجاء في نص البند: “تقديم المساعدة لدعم الكيانات التي تجمع الأدلة لصالح المحققين في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي تحدث في سوريا منذ مارس 2011”.
كما يشمل دعم المنظمات غير الحكومية وأنشطتها المرخصة، ووضع استراتيجية لتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية، دون تخصيص نفقات إضافية محددة تتعلق بالقانون.
البند الرابع: رفع العقوبات له شروطه
يقول البند الرابع أن: “الرئيس الأمريكي هو الوحيد القادر على رفع العقوبات، وذلك عندما تتخذ الحكومة السورية خطوات واقعية نحو ضمان حقوق الإنسان، بما في ذلك إنهاء القصف وإطلاق سراح المعتقلين والسماح بالعودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين”.
ويضيف: “ويمكنه أن يجمد كل أو بعض العقوبات الواردة في القانون، لفترات لا تزيد عن 180 يوماً، إذا تم اتباع شروط معينة في سوريا، وتشمل هذه الشروط وقف استخدام المجال الجوي السوري لاستهداف المدنيين”.
ويشمل رفع العقوبات أيضاً السماح بمرور المساعدات الإنسانية من قبل سوريا أو روسيا أو إيران أو أي مؤيد أجنبي إلى المناطق المحاصرة، مما يسمح بحرية الحركة وإمكانية وصول الإمدادات الطبية لهذه المناطق.
الآثار الاقتصادية لقانون قيصر
من خلال تقصي فريق “خبر اليوم” عن الفرق بين العقوبات القديمة والعقوبات الجديدة في ظل قانون قيصر، وجد الفريق أن هناك تشابه كبير في العقوبات، الأمر الذي يعزز فرضية أن التأثير الإعلامي لقيصر أكبر من تأثيره الحقيقي، وخاصة أن واشنطت أعلنت أنها ستستثني مناطق شمالي شرق سوريا من العقوبات لأن فيها فصائل حليفة لها، وهنا يجعل من المؤكد أن مناطق سيطرة الدولة السورية لن تكون محاصرة لأنه توجد الحدود اللبنانية مفتوجة مع سوريا والحدود العراقية مفتوحة مع سوريا وهاتين الدولتين أيضا على علاقات جيدة مع سوريا.
بوجود حلفاء لسوريا مثل إيران وروسيا ولبنان والعراق، وإنتاجها الزراعي والصناعي المحلي، ستكون آثار “قيصر” ضمن المستوى الذي يتحمله الاقتصاد السوري، وهذا ما أشار إليه خبراء ومطلعون على المعطيات المحلية والدولية.
الفكرة الأساسية، هي أن لكل حصار فوائد، لأنه سيجبر الإدارة السورية لخلق عوامل تطور سوريا بشكل محلي وذاتي كما حصل منذ أيام بإعلان وزارة الكهرباء أن مجموعة من الخبراء السوريين تمكنوا من تأهيل مجموعة توليد الكهرباء الثالثة في بانياس بعد اعتذار الشركة اليابانية، ووفروا أجور تصليح بقيمة (6 ملايين يورو)، ووفروا شراء مجموعة جديدة بقيمة 150 مليون دولار، وايضا كما حصل الشهر الماضي عندما أعلن الصناعي فارس الشهابي صناعة أول جهاز تنفس اصطناعي متطور بقدرات محلية سورية.
المفاجأة ستكون أن قيصر سيقوي سوريا، لأن فيها كل إمكانيات الإبداع والتصنيع والتطور بشكل ذاتي.
يبقى الخوف الأخطر من “قيصر” داخل سوريا هو من سوء إدارة الإنتاج السوري الزراعي والصناعي، وخاصة وسط عجز حكومي عن خلق مصادر بديلة لاستيراد البذار والسماد والمبيدات، وعجزها عن دعم إنتاج السكر محليا من خلال زراعة الشوندر بكميات كافية ونقله إلى معامل السكر، وكذلك العجز عن تحفيز الإنتاج وتصدير الفائض منه، والعجز عن دعم المداجن حيث شهدت الفترة الماضية خسائر بمليارات الليرات السورية لقطاع الدواجن وأغلقت العديد من المداجن، هذه التصرفات هي أخطر من قانون قيصر بعشرات المراتن وخاصة مع وجود التبريرات عند كل عجز أو كل مطب أو كل فشل حكومي، مبررات وانتهى كل شيء والاقتصاد يتراجع.
يقول الدكتور شادي أحمد حول هذا الموضوع:
“غني عن القول ان تاريخ (العقوبات) الأمريكية على سورية ليس جديداً و يعود ذلك لفترة طويلة، حيث كان هناك نوع من العقوبات (غير المعلن) و ذلك بمنع التعاون الاقتصادي بين الشركات الأمريكية و الاقتصاد السوري.
بدأت أول حزمة عقوبات اقتصادية معلنة من خلال قانون محاسبة سورية (قانون بولتون) و الذي أقره الكونغرس خلال فترة الرئيس بوش و تضمن ثلاثة بنود :
1- منع التعامل الاقتصادي و الاستثماري بين البلدين و منع الشركات الأمريكية من دخول السوق السورية بإستثناء الأنشطة المتعلقة بالدواء و الغذاء.
2- تجميد أرصدة الحكومة السورية في البنوك الأمريكية.
3- تخفيض التمثيل الدبلوماسي و تقييد حركة الدبلوماسيين السوريين ضمن مسافة 25 ميل في الولايات المتحدة.
و مع ذلك فقد قامت بعض الشركات الأمريكية بتسجيل فروع لها في كندا و مدغشقر و بعض الدول الأوروبية الصغيرة و بعضها تقدم بطلبات استثناء من بنود القانون لأجل العمل في سورية.
الحزمة الثانية من العقوبات كانت في عام 2012 عندما أغلقت الدول الغربية سفاراتها في دمشق و فرضت حزمة واسعة من العقوبات ركزت بشكل كبير على قطاع الطاقة (النفط و مشتقاته) بمنع استيراد و تصدير النفط من و إلى سورية و كذلك على القطاع المالي و النقدي بمنع تعزيز الاعتمادات المستندية و تجميد جميع الأصول المالية في أوروبا و غيرها.
تأثر الاقتصاد السوري بهذه العقوبات حيث فقد الاقتصاد موارده المالية من بيع النفط لأوروبا و البالغة تقريباً 150 ألف برميل يومياً و التي تعادل سنوياً من 6 إلى 7 مليار دولار و بالتالي بدأت أزمة الطاقة و الوقود تظهر في سورية بشكل واضح ويضاف إلى ذلك إضعاف قدرة القطاع التجاري الحكومي من تأمين مستلزماته من الاستيراد بسبب تجميد الأصول المالية و عدم القدرة على تحريكها.
مع بدء الأزمة الحادة نتيجة العقوبات بدأ الاقتصاد السوري بعملية التكيف معها منعاً للانهيار الكامل عن طريق عدة وسائل منها التعاون مع الأصدقاء (إيران روسيا..) و منها الاعتماد على رجال أعمال (معروفين و غير معروفين)، و بالإضافة إلى وسائل لا يمكن ذكرها لضرورات الأمن الاقتصادي الوطني، فارتفعت الأسعار و اختنق وجود بعض المواد في السوق السورية (بدون فقدانها بالكامل).
قانون سيزر وتعريفه للمركزي في المادة الأولى وأن القانون يستهدف رمز من رموز الاقتصاد وللأسف التوطئة أتت من بعض المستكتبين الذي يفتحون الطريق للهجوم على العملة الوطنية، خدمة لمصالح ضيقة أو خدمة لأسيادهم الحيتان الذين تضررت مصالحهم”.
يقول مواطن رفض نشر إسمه لموقع “خبر اليوم”: ماذا سيفعل بنا قيصر أكثر مما نحن عليه الآن، الغاز عليه أزمة والمازوت أزمة والأسعار ارتفعت كثيرا، والليرة السورية تراجعت بشكل كبير، فأكثر مما حصل، لا أعتقد أن قيصر يستطيع فعل أكثر من ذلك.