انتهيت تواً من قراءة باولو كويلو (الرابح يبقى وحيداً)، أحببت أن ألقي الضوء عليها لعدة أسباب، أولها أنها تختلف بالشكل والمضمون اختلافاً كلياً عمّا اعتدناه من روايات كويلو، والتي تتسم دوماً بالتركيز على الجانب الروحي… ثانياً أنّها تسلّط الضوء على عالمنا، وبمعنى أدق على قساوة وبشاعة عالمنا.
يتحدث كويلو في هذه الرواية عن مهرجان (كان) السينمائي، فيظهر لنا مدى وضاعة ودونية العالم، الذين يظنون أنفسهم أنّ الله اختارهم، ومن جاء بعدهم لا يستحق الحياة، ويوضح لنا في هذه الرواية على سبيل المثال، الطريق التي تمر بها (الماسة) لتصل ليد أو عنق امرأة تافهة لا يهمها إن كان ذلك الحجر الذي ترتديه قد غُمس بدماء عشرات الأبرياء ليصل إلى عنقها، وإن علمت لا أجدها ستبالي، فباعتقادها هي حررت أرواحهم من عالم البؤس، لعل حياة أفضل تنتظرهم في العالم الآخر.
أوضح كويلو بأن (كان) صورة عن العالم بأسره، فهؤلاء الأثرياء أو الطبقة الأرفع، المجتمعين في (كان)، يمثلون البيت الأبيض، على تفاهتهم وجشعهم، فهم يتحكّمون بمصائر العالم، كما البيت الأبيض يتحكم بمصائر العالم، فيسيّر الحروب ويشعلها هنا وهناك، وضيوف مهرجان كان يشنّون حرباً على العقول (الشهرة، والموضة، والرفاهية…) التي تعدّت أي حد هي برأيهم الأهم.
جملة لكويلو، تشرح آلية العلاقة في كان: “لا يوجد أمر اسمه الصداقة في كان، فقط مصالح شخصية، لا توجد كائنات إنسانية، بل مجرد آلات مجنونة تطيح بكل شيء في طريقها من أجل الوصول إلى حيث تريد، وألّا تنتهي بالإصطدام بعمود الإنارة”.
(إيغور) رجل الأعمال الروسي الشهير، الذي حارب في أفغانستان، أصبح ثريّاً بفضل جهده المتواصل ليل نهار، وزوجته (ايوا) التي تركته عندما لاحظت بأنه أصبح مستبدّاً، قاتلاً، في سبيل الوصول إلى غاياته، ويبرر بأنه قد خلّص تلك الأرواح من الفقر وأن الله راضٍ عنه.
جاء لـ (كان) ليقتل باسم الحب، فقتل عدّة أشخاص من العامة، فلم تهتم الصحافة لأمرهم، لأنهم ليسوا من المشاهير، لم يرضِ هذا الأمر ايغور، فقام بقتل منتج وممثل آخر شهير، لتصل الرسالة لزوجته السابقة (ايوا) بأنه قد دمّر عوالم لأجلها، ولأجل حبه لها، هذا هو الحب بنظرهم، وانتهى الأمر به بأن قتلها وقتل زوجها مصمم الأزياء العربي الشهير حميد حسين، وهنا انتهت رسالته، وقفل عائداً إلى بلاده، وهو يشعر بأن الله راضٍ عنه، وأرسل له ملاكاً ليحرسه.
كويلو استند في معلوماته عند كتابة روايته، لعدد من المشاهير، منهم : ايماكولادا، سانتوس، إيلي صعب، وكلودين. الرابح يبقى وحيداً، رواية يجب أن نتمعّن بأحداثها، لنستنتج أخيراً بأننا من أكثر الشعوب على الأرض تفكيراً، ولكننا دوماً نفكر في اللا شيء، لهذا تفوّقت تلك الآلات علينا في كل شيء.