الأدب العربي

ابعاد نفسية في شعر أبي الطيب المتنبي

ابعاد نفسية في شعر أبي الطيب المتنبي

كانت نهاية الالفية الأولى من عصرنا هذا بداية عصر جديد لتفكير الانسان و تقييمه لحياته ووجوده في العالم العربي الإسلامي. ربما يربطه الكثير بفساد السياسة و فوضى الاقتصاد٫ و لكنه ايضاً كان بداية عصر نهضة فكرية فلسفية سبقت ما حدث في العالم الغربي بمئات السنين. هذه النهضة الفكرية تدركها في قراءة ادب و شعر المعري و المتنبي.

لكن شعر المتنبي رحمه الله يتميز بوجوده و الحفاظ عليه حتى يوم رحيله على يد قطاع طرق و هو في طريقه الى بغداد يوم ٢٣ أيلول عام ٩٦٥ م عن عمر خمسين عاماً. الكثير يعتبره سيد شعراء العرب و اب الشعر الكلاسيكي الحديث Neo Classical و اول من استعمل استعارات جديدة لا سابق لها لوصف المشاعر و العواطف.

كان موهوباً في الشعر منذ طفولته و تعلم في مدارس الكوفة و اختلط باهل البادية. تأثر بشعر أبي تمام و البحتري و لكنه كان مدرسة أدبية شعرية فلسفية بحد ذاته. كانت طفولته متزامنة مع حركة القرامطة في الكوفة و سوريا. تجول بين العراق و سوريا و مصر و تعاظم امر خلافاته مع الاخرين و يذكره الجميع في هجائه لكافور بعد هروبه من مصر عام ٩٦٠ م.

و لكن ما يثير الفضول هو البعد النفسي في قصائده التي لو درستها تعلمت منها الكثير عن الوصف الصادق لعواطف أنسان لم يتحدث عن ابيه و لا امه و لم يفتخر بنسبه كما كان يفعل شعراء بني تميم و غيرهم. كان جرير يسرف في مدح والده رغم انه كشف لصاحبه يوماً ما بان كان صعلوكاً لا صفة له سوى البخل٬ و كان الفرزدق يسرف في الإشارة الى اصله الارستقراطي حتى تشعر بالملل من قصائده أحيانا. اما المتنبي فهو غير ذلك تحدث عن نفسه و مشاعره و لم يرثي بصدق سوى جدته في هذه الابيات الرائعة:

إقرأ أيضا:قصيدة من منكما أحلى

ما هو الرائع في هذه الابيات هو وصفه لمشاعر الحداد بصدق و بدون تكلف و لا مبالغة و لا اسراف في الحديث عن فقيدته. تراه اولاً يذكر جميلها عليه و تعلقه بها و لكنه في البيت الثاني يصور لنا روعة الصورة الذهنية التي لا تفارق الانسان حين رحيل من يحب حين تنظر الى ما حواليك و لا تشاهد فقيدك. و يختتم البيت الثالث شعور الاكتئاب و النفور من الدنيا مع الحداد.

في طفولته صور الابعاد الوجودية التي يمر فيها المراهق و تعبث به و هي العزلة مقابل الفراق في هذا يقول:

كثيراً ما يواجه الانسان أزمات و خلافات مع غيره بل و مع الحياة نفسها. هاك من يمارس دفاعات نفسية ناضجة و هناك من يستسلم لعصابه الذي يفتك به طوال عمره. في هذه الابيات يلجأ المتنبي الى استعمال دفاعات ناضجة للانتقال من مرحلة الى أخرى جديدة في الحياة بدلا من الاستسلام للعصاب و في ذلك يقول:

إقرأ أيضا:قصيدة”خليلي هذا ربعُ عُزَّة َفاعقلا” لكثير عزة

ان الغاية من هذا المقال هو القاء الضوء على الابعاد النفسية في الشعر العربي من خلال ثلاثة امثلة فقط. ان القراءة احياناً علاج نفسي بحد ذاتها و مناقشة الادب العربي لا ترفع من ثقافة الفرد فسحب و لكن قد تكون وسيلة لنقاش في علاج جمعي للجميع.

السابق
الكلب بين الانسان وقلب الانسان
التالي
الموسيقى والطب النفسي