احكام صيام شهر صفر

احكام صيام شهر صفر

أحكام شهر صفر

الحمد لله رب العالمين، نحمده – تعالى – ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
حلَّ علينا شهر من أشهر الله – تبارك وتعالى -، ونزل في ربوعنا؛ هو شهر صفر، وهذا الشهر – وللأسف الشديد – تقع فيه مخالفات مخالفة في طبيعتها للشرع الحنيف ولا أصل لها في الدين، نستنتجها من خلال النظر إلى واقع الحال لدى كثير من أبناء المسلمين ممن ينتسبون إلى هذا الدين.
ونورد بعض الحقائق تالياً على الإنسان المسلم أن يعلمها عن هذا الشهر:
أولاً: أن هذا الشهر من أشهر الله – عز وجل -: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}1، وشهر صفر أحد هذه الأشهر الإثنى عشر، وهو الشهر الذي بعد المحرم، “وإنما سمي صفراً لإصفار مكة من أهلها إذا سافروا، وقيل: سمي الشهر صفراً لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل، فيتركون من لقوا صفراً من المتاع، وذلك أن صفر بعد المحرم”2.
ثانياً: إذا عُلِمَ أن هذا الشهر هو أحد الأشهر الإثنى عشر فإنه يسري عليه ما يسري على غيره من الأحكام، وأيامه كبقية أيام العام، إلا أن بعضاً من أبناء المسلمين نتيجة للبعد الظاهر عن تعاليم الشرع الحنيف، وتلبيس الشياطين عليهم؛ ابتدعوا في هذا الشهر أموراً ما أنزل الله بها من سلطان.
ثالثاً: لا يجوز التشاؤم بأيام هذا الشهر (فإن الأيام لله – تبارك وتعالى -)؛ حيث قد نهى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عن هذا التشاؤم عامّة، بل حارب هذا المعتقد الذي كان سائداً عند العرب في الجاهلية؛ فقد ثبت عن أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ))3، ومن خلال هذا الحديث أراد – صلى الله عليه وسلم – إبطال ما كان يعتقده أهل الجاهلية من الاعتقادات الباطلة التي تؤثر في القلب، وتضعف الظن الحسن بالله – عز وجل – في شهر صفر، وهذا التشاؤم من المعتقدات التي كانت لدى العرب في جاهليتهم، حيث كانوا يعتقدون أن شهر صفر شهر حلول المكاره، ونزول المصائب، وسبب تشاؤمهم من شهر صفر أنهم كانوا يعودون فيه إلى السلب والنهب، والغزو والقتل؛ بعد الكف عنها في الأشهر الحرم، ثم تطور الأمر حتى بلغ بهم الحال إلى أنه لا يتزوج في هذا الشهر من أراد الزواج؛ لاعتقاده أن لا يوفق، ومن أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر خشية أن لا يربح.
رابعاً: يقع البعض من المسلمين في قضية مقابلة البدعة بالبدعة دون أن يشعروا من خلال ذلك أنهم يقابلون من يعتقد في شهر صفر بالشؤم ونحوه من الاعتقادات التي لا تصح؛ بأن يقولوا في شهر صفر بأنه صفر الخير، وهؤلاء يدفعهم حبهم لمنهجهم، فيقومون بمخالفة أهل الجاهلية في تشاؤمهم بشهر صفر، فيؤرخون فيقولون: “نحن في شهر صفر، شهر الخير”، وهذا الفعل يدخل في باب مدافعة البدعة بالبدعة؛ لأن هذا الشهر ليس شهر خير ولا شر، فهو كبقية الأشهر، ويقع فيه ما قدره الله – عز وجل – من المقادير، ولا يحصل فيه إلا ما قضاه وقدَّره الله، ولم يخص – سبحانه – هذا الشهر بوقوع مكاره، ولا بحصول مصائب، فهو شهر من أشهر الله، وزمان من الأزمنة، والأزمنة لا دخل لها في التأثير ولا في ما يقدره الله – سبحانه -.
خامساً: لا يختص هذا الشهر بذكر معين، ولا بدعاء محدد كمن يخص هذا الشهر بآيات السلام السبع كقوله – تعالى -: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}4، وقوله: {سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}5 … الخ، ثم توضع تلك الأوراق في أواني فيشربون ماءها معتقدين أن هذا الفعل يذهب الشرور والمصائب التي تنزل في هذا الشهر، وعلى من أراد الخلاص من شرور ذلك اليوم أن يصلي لله – تعالى – أربع ركعات بصفة معينة، ثم يختم صلاته بدعاء معين ومنه: اللهم أكفني شر هذا اليوم، وما ينزل فيه، يا كافي المهمات، ويا دافع البليات، وهذا لا شك فيه أنه اعتقاد فاسد وباطل، وليس له أصل في كتاب الله – عز وجل -، ولا في سنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم -، بل هو تشاؤم مذموم، وابتداع قبيح يجب أن ينكره كل عاقل، وكل هذا من الأمور التي لم تثبت في ديننا، وليس لها أصل، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وإليكم نص الفتوى حيث جاء في الفتوى:
“هذه النافلة المذكورة لا نعلم لها أصلاً من الكتاب، ولا من السنة، ولم يثبت لدينا أن أحداً من سلف هذه الأمة وصالحي خلفها عمل بهذه النافلة، بل هي بدعة منكرة، وقد ثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))6، وفي صحيح البخاري: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))7، ومن نسب هذه الصلاة وما ذكر معها إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – أو إلى أحد من الصحابة – رضي الله عنهم – فقد أعظم الفرية، وعليه من الله ما يستحق من عقوبة الكذابين، وبالله التوفيق.8
نسأل الله – عز وجل – أن يهدينا سواء السبيل، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
1 سورة التوبة (36).
2 تاج العروس (1/3067) بتصرف يسير.
3 البخاري (5316)، ومسلم (4116).
4 سورة الصافات (79).
5 سورة يس (58) .
6 مسلم (3243).
7 البخاري (2499)، ومسلم (188).

إغلاق
error: Content is protected !!