الخروب غذاء ودواء وبوليصة تأمين ضد المجاعة

الخروب غذاء ودواء وبوليصة تأمين ضد المجاعة

شجرة الخروب من الأشجار المعروفة في فلسطين وبلاد الشام .. وهي شجرة وارفة الظلال دائمة الخضرة، يصل ارتفاعها الى خمسة عشر متراً، وهي ثنائية الجنس، وثمارها عبارة عن قرون عريضة، تتباين أطوالها في الشجرة الواحدة، وقد يصل طول بعضها الى ثلاثين سنتمتراً.

تنتمي شجرة الخروب إلى العائلة القرنية، واسمها العلمي (Ceratonia Si liqua)،وتتميز بقدرتها على تحمل الجفاف والبرد والرياح القوية، وهي متواضعة في احتياجاتها للنمو والإثمار، وتعيش في الأراضي الصخرية والوعرة، وفي التربة الرملية الفقيرة، سواء أكانت حمضية أو قلوية. وتكتفي هذه الشجرة بما معدله 30 سنتمتراً من الأمطار السنوية. وهذه من الأسباب التي جعلتها متكيفة للعيش في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط، وتعيش نحو 200-300 سنة، وتزهر عادة ابتداءاً من منتصف شهر آب (أغسطس) ولغاية تشرين الثاني (نوفمبر). كما تزهر في مواسم أخرى إذا ما توافرت لها ظروف بيئية مناسبة.

وتعتبر بلاد الشام والعراق وقبرص موطن الخروب الأصلي منذ أربعة آلاف سنة. وأطلق العرب على النبتة اسم الخروب (Carob)، وتعرف في جنوب اسبانيا باسم الخروبو (Algarrobo).

وجاء ذكر الخروب في الإنجيل، وكان يطلق عليه آنذاك اسم “خبز القديس يوحنا” أو “قرن الخروب”. وبعد انتشار الخروب في اليونان وايطاليا، تم نقله بواسطة المسلمين والعرب من شمال افريقيا الى اسبانيا والاندلس، قبل القرون الوسطى، الى جانب الحمضيات والزيتون وقصب السكر.

وقد حمل الاسبان والبرتغاليون معهم الخروب الى امريكا اللاتينية والمكسيك، عبر الأطلسي في أثناء حملاتهم الاستعمارية. وانتشرت زراعته لاحقاً في القرن الثامن عشر والتاسع عشر في المناطق الساحلية الجنوبية الاسبانية والبرتغالية ومايوركا.

ويبدو أن حبوب الخروب انطلقت من البحر الأدرياتيكي باتجاه روسيا في القرن التاسع عشر. وقد اسهم الأمير بيلوفونت في اقليم ساليرنو الايطالي بدور كبير في نشر الخروب واستغلاله، وزراعة آلاف الأشجار منه لتجميل الحدائق والشوارع.

وفضلاً عن أن الاسبان نشروا الخروب في امريكا اللاتينية والمكسيك، فقد اسهموا ايضاً بنشره في جنوب كاليفورنيا عبر المكسيك. واشترت الولايات المتحدة الامريكية، في منتصف القرن التاسع عشر نحو ثمانية آلاف شجرة خروب من اسبانيا، ولاحقاً من فلسطين. وتم توزيع وزرع هذه الأشجار في ولايات اريزونا وتكساس وفلوريدا، التي استخدمته لتزيين الشوارع.

كما قام الانجليز، خلال حملاتهم الاستعمارية، بنقل الخروب الى المستعمرات الجديدة في جنوب المعمورة، في استراليا ونيوزيلاند والهند والكثير من المستعمرات والجزر الصغيرة في المحيط الهادي.

ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن الفراعنة استخدموا الخروب بكثرة، وخصوصاً خواصه الصبغية لصناعة الدبق (الغراء) والمواد اللاصقة للف وتوضيب المومياء. وتم العثور على الكثير من حبوب الخروب في القبور والأضرحة الفرعونية القديمة، التي يعود بعضها الى ثلاثة آلاف سنة.

فوائد الخروب

قيمته الغذائية:

يحتوي لب الخروب على مواد غذائية عدة أهمها السكر (55٪) وبروتين عالي الجودة (15٪) ودهون (6٪). أما مسحوق البذور فيحتوي على 60 في المئة بروتين، وكميات وافرة من الزيوت الخالية من الكوليسترول. كما يوجد في ثمار الخروب فيتامينات: A وB1 وB2 وB3، وD وعناصر معدنية مهمة مثل: البوتاسيوم والكالسيوم والحديد والفسفور والمنغنيز والباريوم والنحاس والنيكل، وغيرها. وتخلو ثماره من حمض الأوكساليك(Ox) الذي يحول دون امتصاص الكالسيوم والعناصر المعدنية الأخرى، وهذا من شأنه تسهيل عملية امتصاص الأمعاء لهذه المعادن، والإفادة منها بشكل كبير. ويتميز بكتين الثمار (مادة هلامية التركيب تشبه الصمغ الشفاف) بعدم تسببه بظهور أعراض الحساسية.

وتتمثل طريقة تناول ثمار الخروب في الآتي:

  • تمضغ ثماره الجافة والغضة لمذاقها الحلو. وأثناء عملية المضغ تتنشط اللثة وتنجلي الأسنان وتطيب رائحة الفم.

  • تصنع من الثمار الغضة حلوى لذيذة ومغذية تشبه المهلبية، تسمى في بعض المناطق (خبيصة). ويتم ذلك من خلال غلي القرون الغضة مع الحليب المحلىبالسكر، ويحرك الخليط باستمرار إلى أن يصبح ذا قوام ثخين ويؤكل بارداً أوساخناً حسب الرغبة.

  • يصنع من القرون الجافة شراب منعش، وذلك بغلي القرون، أو تكسيرها، ونقعها بالماء. وبعد ذلك يجري هرسها، ويصفى المنقوع باستعمال قطعة قماش، ثمّ يضاف إلى هذا الشراب قليل من ماء الزهر.

  • تضيف أفران كثيرة مسحوق ثمار الخروب إلى طحين القمح لتعزيز قوة الخبز الغذائية.

القيمة العلاجية:

يحتوي لب ثمار وبذور الخروب على العديد من المواد الفاعلة، منها صمغ الخروب، الذي يفيد في وقف الإسهال، خصوصاً عند الأطفال، ولهذا تضيف الأمهات ملعقة من مسحوق الخروب إلى حليب الأطفال لعلاج هذا المرض. ويفيد صمغ الخروب في الوقت نفسه في منع الإمساك، وذلك لقدرته على حفظ الماء في الأمعاء، ولهذا يكون الخروب منظماً لحركة الأمعاء والسوائل الموجودة فيها. ولصمغ الخروب فوائد طبية أخرى منها: معادلة الأحماض أو المواد القلوية في الأمعاء وامتصاص بعض السموم والأعفان الموجودة فيها، كما يثبط نمو بعض الجراثيم. ويستعمل شراب الخروب في الطب الشعبي لتخفيف حدة السعال، حيث يعمل الصمغ الموجود فيه على ترطيب وتوسيع الشعاب التنفسية. ويفيد، كذلك، في علاج الثآليل، وذلك عن طريق دلكها بثمار الخروب الفجة عدة مرات، فيعمل على ازالتها من جذورها، وتنصح المرضعات بتناول الخروب أو الشراب المصنوع منه، لإدرارالحليب وتعزيز فائدته الغذائية. كما ينصح المرضى المحتاجين للتخلص من الماء الزائد في أجسامهم بتناول الخروب والأطعمة المصنوعة منه، وذلك لزيادة إدرارالبول.

ويستعمل لحاء شجرة الخروب في وقف النزيف، وذلك لاحتوائه على مادة “التانين” القابضة للأوعية الدموية. وقد اشتهر عرق السوس في معالجة قرحة المعدة, لكن الكثيرين من مرضى القرحة ممن واظبوا على تناول شراب الخروب أفادوا بتحسن حالتهم وشفائهم من القرحة، ويعود السبب في ذلك إلى أن الخروب قلوي التأثير فيعادل حموضة المعدة. كما أن الصمغ الموجود فيه يقلل من نشاط الجراثيم ويشكل طبقةعازلة فوق القرحة, مما يحول من نشاط الجراثيم ويشكل طبقة عازلة فوق القرحة، ما يحول دون وصول أحماض وأنزيمات المعدة إليها ويمنحها فرصة للالتئام.

الفوائد البيئيّة:

تساعد جذور الخروب في تثبيت النيتروجين في التربة، مما يزيد في خصوبتها وحيويتها. وتشكل ثمار الخروب وأوراقه المتساقطة على الأرض سماداً بعد تحلله بفعل بكتيريا التربة. ونظراً لكثرة أغصان شجرة الخروب وكثافة أوراقه، فإنها توفر بيئة مناسبة وآمنة لتعشيش الطيور. كما تفيد شجرة الخروب في ترطيب الجو وتنقية الهواء من الغبار وتخفيف سرعة الرياح.

استعمالات أخرى:

يتميز خشب الخروب بالقوة والمتانة وسهولة الطلاء؛ ولهذا فهو مناسب لصنع أثاث المطابخ والأدوات والأواني الخشبية. ويعد الفحم المصنوع من أخشابها من أجود أنواع الفحم، وتستعمل بذوره المحمصة بديلاً للقهوة أو للشوكولاته، التي تدخل في صناعة الحلويات، أما مسحوق الخروب وبذوره فيستعملان في الكثيرمن الصناعات الغذائية، كمادة منكهة ومكثفة للعصائر والكريمات بدلاً من البيض والنشاء.

وتتميز منتجات الخروب بخلوها من مواد تسبب الإدمان، وذلك لعدم احتوائها على الكافئين الموجود في القهوة، أو الثيوبرومين الموجود في الكوكا. وتستخرج من قشور البذور مادة بلاستيكية تدخل في صناعة الأفلام السينمائية، كما يستعمل مسحوق الخروب في صناعة مستحضرات التجميل والمبيدات الحشرية.

وختاماً نشير إلى أن الخروب كان من المآكل التاريخية المهمة، اذ لجأ اليه الكثير من الشعوب، لاستخدامه في اثناء المجاعات، وكمحصول يؤمنهم ضد المجاعة لسهولة حفظه وطول مدة استخدامه، وفعلاً لجأت إليه بعض الشعوب قديماً في أثناء المجاعات، التي كان يسببها الجفاف وهلاك المحاصيل.

إغلاق
error: Content is protected !!