المراهقون بين مخاوف الأهل واحلام الإستقلالية

المراهقون بين مخاوف الأهل واحلام الإستقلالية

محبة الوالدين وإن سمت قيمتها تتسم بإزدواجية لا تخلو من الغموض والتساؤلات ، فهي من جهة قوية ومتفانية، ولكنها من جهة أخرى تؤدي الى اخناق الإبن و تدفعه للهروب من هذا السجن الإلزامي. تتحول مرحلة المراهقة من تجربة حياتية لا بدّ من عيشها الى مرحلة احتواء الولد وإعتباره إمتداداً للوالدين ليس إلا وحقاً مشروعاً لهم في تسيير حياة ابنهم كما يحلو او يتراءى لهم.

الحب والخوف، اللهفة والذعر هي مشاعر جدّ طبيعية لكنها تتخطى حدود المعقول لتتحوّل الى حالة مرضية فتوصل الأمور الى درجة ترك المنزل والهروب من “القفص الأبوي” . يرى الإبن انه أدرى بمصلحته وبات يستطيع ان يتحمل المسؤولية ومتاعب الحياة ، في حين يسعى الأهل الى حماية أولادهم من كل سوء كونهم عايشوا تجربة الحياة بكل أشواكها ومفاجآتها. هذه العلاقة الجدلية تتعب الأهل وتخنق الأولاد على حدّ سواء.

حرية مفقودة

تعاني ماغي (18 سنة)  وهي وحيدة أبويها مما تصفه بـ”التملك والتسلط العائلي” وتقول :” أهلي شايفيني ومش مصدقين” والخوف عليّ أكبر من اي منطق او جدال حتى بتُ لا أستطيع تحمل خوفهما الدائم عليّ. فأنا  لا أعيش حياة طبيعية بل مسجونة في قفص والديّ، كأني في بيت زجاجي ممنوع على احد الإقتراب منه.” وتتابع ماغي :” لا تمرّ ساعتان إلا ويتصل والداي بي للتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام، عليّ دائماً ان أعلمهما بمكان تواجدي وأُطلعهما على كل شاردة وواردة بحيث فقدتُ خصوصيتي وحياتي الشخصية على حساب حبهما الفائض وهوسهما غير العقلاني.” وتضيف ” من كثرة حبهما قتلاني، لا أستطيع أن أعيش معهما ولا بدونهما، وليس هناك مجال للنقاش معهما وتكون حجتهم المعهودة دائماً هي : ” نحنا منعرف مصلحتك أكثر منك بكرا بتتزوجي وبتعرفي ليش منخاف عليك هلقد.”

وبرأي ليال (21 سنة) أن هذه التدخلات تكون في البداية بنوايا  خيّرة لكنها سرعان ما تنعكس سلباً وتؤدي الى خلق الحساسية بين الأهل والأولاد. وتقول:” التدخل في حياة الأولاد بشكل دائم وغير مقبول والإفراط في الحماية والخوف يجعلانك تقف في طريق مسدود، في معضلة حقيقية لا حلول لها. ” تعتبر ان حب التسلط والإمتلاك عند الأهل سببه طريقة التربية ونمط الحياة وما عايشوه  من تجارب سيئة. إضافة الى  الخوف الدائم من ان يقع اولادهم ضحية للغش والغيرة والخبث.”

طريق لفقدان الإبن

وترى ليال ان الإنقياد التام لضغوط الأسرة أسرع طريق لفقدان الإبن. كما ان سوء المعاملة وعدم التفاهم الدائم أو ما يسمى بـ”صراع الأجيال” يدفعانك الى الهروب من هذا الكابوس أو تقبله كأمر واقع والإستسلام.” وتلفت الى ان :” التربية تختلف من جيلٍ الى جيل، فالأمهات يصرحن بأنهن يرغبن في تربية أولادهن طبقاً للطريقة التي تربين عليها لكن عند التطبيق تختلف التربية بإختلاف الثقافة ، الوقت، الظروف والوعي والمشكلة تقع عندما تتضارب الآراء وتصل الى حائط مسدود.”

السبب نفسي

يرى علم النفس ان سبب تسلط الأهل وقلقهما الدائم على الأولاد يعودان الى الخوف من فقدانهم و من الأوضاع الأمنية التي تهدد لبنان  هي التي تزيد من قلقهم . الحالة الاجتماعية والتفكك الأسري وغيرهما من الحالات التي تسود المجتمع تدفعان بالأهل الى التصرف بجنون والتملك غير العقلاني.

وينصح علم النفس بالمصارحة الدائمة وإقامة علاقة مبنية على التفاهم والثقة الكاملة بين الأهل من جهة والأولاد من جهة أخرى ، لتجنب الخلافات أو حتى العنف الأسري. كذلك لا بدّ من إطلاع الأهل على ما يجري وتفادي الكذب والغش لأن الأهل يدركون ان اولادهم يكذبون حتى لو لم يفصحوا عن ذلك. إن تسلط الأهل حين يزيد عن حده يصبح حالة مرضية يجب معالجتها لأنها تؤدي الى قتل شخصية الولد والتحكم به لدرجة التبعية المطلقة.

ويبقى السؤال هل سينجح الأهل في التوازي بين خوفهم وحرية اولادهم أم ان حبهما سيقتلع كل شيء ويصبح التسلط أمراً واقعا محكوم على الأبناء ان يعيشوه طالما هم موجودين تحت كنف “الأبوي”؟ وتبقى كلمات جبران خليل جبران المثال الحيّ لهذا الواقع الحتميّ “أولادكم ليسوا لكم…أولادكم أبناء الحياة”.

إغلاق
error: Content is protected !!