النساء ناقصات عقل ودين

النساء ناقصات عقل ودين
اليومَ عقدُ نكاحي. 

يمثل لي هذا اليوم حدًّا فاصلاً.

أشعر بالرهبة.

اليوم سيقتَحم حياتي كائنٌ من نوع آخر. 

نوع غريب بالنسبة لي.

نوع لا أعرِف عنه شيئًا.

لكني أعرفُ أنه نوعٌ كالقوارير.

رقيقٌ وهشٌّ.

يحتاج إلى نوعٍ آخر مِن المعاملة. 

لن أستطيع أن أمزَح معه بخشونةٍ كما أمزح مع أصدقائي، ولن أتمكن من معاملته بالطريقة العملية التي أعامِل بها زملائي.

كائنٌ رقيقٌ، سيملأ حياتي بهجةً، فقط إذا استطَعْت معاملته كما يجب.

ولِمَ لا؟! الأمر بسيط.

بتطبيق ما أمر به النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((رفقًا بالقوارير)).

قطع وصولي إلى المسجد حبلَ أفكاري. 

متوترٌ أنا حقًّا، مما زاد توتري: أنه لم يأتِ الشيخ الذي اتَّفَقْت معه على خُطبة العقد.

أنا في وَرْطَةٍ حقًّا.

لكن الحمد لله.

حضر صديقي، أحدُ طلاب العلم.

نَعَم، أنا أيضًا طالبُ علم، لكن لا تتوقع مني أن أخطُب خُطبة نكاحي.

فذهني شاردٌ جدًّا.

واجه صديقي المدعوِّين، وبدأ:
“إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله تعالى فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
إخوتي في الله:
نبارك لأخينا العزيز؛ ((بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير)).
وأزيد على هذا الدعاء: والعقبى لك في الثانية والثالثة.
طبعًا، كان اللهُ في عون الأخ الفاضل؛ فالنساء ناقصاتُ عقلٍ ودينٍ، وكل رجل متزوِّج يعلم: كم نعاني من عقولهن الناقصة وسفاهتهن… “؛ كان يتحدَّث بصيغة استهزاء، استنكرتُها جدًّا، وتعجَّبت منها. 

أكمَلَ الصَّدِيقُ: “ونذكِّرُك – أخانا – لكي تستريح من هذا العقل المعوج أن تعلق السوط، وأزيدك في النُّصْح: استخدِمْه؛ فالمرأة خلقت من ضلع أعوج؛ فهي ناقصة عَقْل ومعوجة الخلق، فلا بد من تأديبها وتقويمها؛ لكيلا تنفلِت، فزوجتك – يا صديقي – مجرَّد مملوكة، نَعَم، مملوكة للرجل، فاحذر ثم احذر أن تلبِّيَ لها رغباتها على حساب دينك وعقلك الراجح، فمهما كان مبلغ علمها فهي ناقصة، وهل للمملوك شيءٌ عند سيده؟! وعادَةً، فكل رغباتها سفيهَة مِثْلها، واحرِص – إن شاوَرْتَها – أن تخالف ما تشير به عليك؛ فإن في مشورتها الخطأ حتمًا.

ولاحظ ما جاء في الحديث: ((إذا خرجت المرأة استشرفها الشيطان))؛ فهي في الفتنة كالشيطان الرجيم – نعوذ بالله – بل إن كيد الشيطان ضعيف، وكيدهن عظيم؛ فالشيطان تلميذٌ في مدرستهن.

فاحبسها في بيتك، لا تخرُج منه إلا لضرورة قصوى، ويُستحسَن ألا تخرج إلا للقَبْر… “.

استمرت الخطبة على هذا المنوال.

الحقيقة كنت مذهولاً مما أسمع.

كنت أتمنى ألا تكون زوجتي قد سَمِعَت هذا الكلام المستفِزَّ.

كم يسيئُنِي أن يستخدم الإنسان آياتِ الله وأحاديثَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سياقٍ؛ ليثبت به معنى لم يرِدْه الله ولا رسوله!

حقٌّ يُراد به باطل.

عزمت على التحدُّث مع صديقي غدًا، وبعد العقد ذهبت إلى بيت أهل زوجتي لتناول العشاء عندهم، وحاولت قدر جهدي أن أُفهِم زوجتي الرقيقة أن هذا الكلام ليس رأيي، وأنني سأناقش هذا الصديق غدًا، وسَعِدْت جدًّا عندما وجدت أن النساء لم تَسمَع شيئًا من الخطبة لعطل في السمَّاعات!!

ذهبت في اليوم التالي لمقابلة صديقي؛ فاسمع مني ما دار بيننا:

بدأته بالسلام والتحية، وتبسَّمْت في وجهه، وأنا أحضِّر في ذهني الكلمات التي سأقولها.

ابتسم، وقال لي: ها، ما الأخبار؟ هل رأيت النساء وعقولهن؟

قلت له، وأنا أضبط كلماتي: صديقي الحبيب، ألم تسمع قول الله تعالي: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} [الحجرات: 11].

نظر لي في تعجُّب: ومِمَّن أسخر؟!

قلت: تسخَر من النساء عامَّة، وتستهزئ بزوجتي خاصَّةً بعبارتك السابقة رغم أنك لا تعرفها أصلاً.

قال مستنكرًا: عجبًا، أنا أردِّد قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا أتحدَّث عن زوجتك بعينها.

قلت له: أعلم أنك لا تقصد أن تغتاب زوجتي، لكن عبارتك استهزاءٌ بها؛ فأنا لم أتزوَّج أمس سوى واحدةٍ معيَّنةٍ، فعلي من يؤول الكلام؟ وبِغَضِّ النظر عن هذا سأَسْأَلُك سؤالاً.

قال متبرِّمًا: تفضَّل.

قلت: ألم تقرأ تفسير الحديث من قبل؟ هل النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن النساء ناقصات عقل ودين)) في سياق استهانةٍ وتنقُّصٍ واستهزاء أو ماذا؟

قال في حيرة: لا أذكر سياق الحديث، لكن ليس من خلق النبي – صلى الله عليه وسلم – الاستهزاء بأحد.

قلت له: اسمع السياق؛ فقد قضيت ليلتي أبحث في الأحاديث التي سقتَها في خطبة نكاحي، وتعجبت من استخدامك هذا الأسلوبَ الَّذِي امتلأ بالاستهزاء والسخرية والتنقُّصِ والمهانة لجنس النساء.
الحديث يقول:

حَدَّثَنَا ‏سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ‏قَالَ: أَخْبَرَنَا ‏مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ‏قَالَ: أَخْبَرَنِي ‏زَيْدٌ – هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ – ‏عَنْ ‏عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ‏عَنْ ‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ – ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ‏فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، ‏تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي ‏أُرِيتُكُنَّ ‏أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ))، فَقُلْنَ: وَبِمَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((تُكْثِرْنَ ‏اللَّعْنَ، ‏وَتَكْفُرْنَ ‏الْعَشِيرَ، ‏مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ ‏لِلُبِّ ‏الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ))، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟)) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَمْ تَصُمْ؟)) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا))؛ متفق عليه. 

فهل هذا السياق: ((‏مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ ‏لِلُبِّ ‏الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْكُنَّ)) مشعر بالتنقُّص أو السخرية؟

قال في حرج: لا، لكنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – صرح بأن النساء ناقصاتُ العقل والدين.

قلت له: وما نقصان العقل والدين؟ هل هذا يعني: أن الرجال أكثر ذكاء من النساء؟ هل يعني هذا: أن النساء كلهن سفيهاتٌ تافهاتٌ؟ هل يعني هذا: أن الرجال أفضل من النساء على الإطلاق؟

قال في حرج: اسمع – يا صديقي – أنا لا أحب الاختلاف معك؛ فأنا أحترمك جدًّا، وأقدِّرُك، لكني أشعر أنك جانبت الصواب هذه المرَّة، فمَعلوم أن النساء أقل شأنًا من الرجال، وأنَّهُن أقل عقلاً من الرجال، وأنَّهُن نشَأن في الحلية ولا يصلحن للأعمال الشاقَّة.

قلت له: اسمع أنت – يا صديقي -:

أولاً: لا بد ألاَّ نخلِط الألفاظ الصحيحة والخاطئة؛ فكلامك فيه حق لكنَّ فيه باطلاً، ثم ثانيًا: لا بد أن نحدِّد ما هو نقصان العقل عند النساء؟ أهو نقصان الذكاء أم أن النساء سفيهاتٌ مثلاً أم ماذا؟ 

قال في دهشة كمَن يقرر مسألة بدهيَّة: نَعَم، هن أقل شأنًا وذكاءً، وهن سفيهاتٌ.

قلت له: طبعًا، لن أطالبَك بالدليل، فواضح أنك ستشير إلى الحديث السابق، لكن لتَفْهَم المدلول أجِبْ عن هذا السؤال.

أيُّهُما أعقَلُ: بلقيس ملكة سبأ في قولها للملأ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34]، وإرسالها الهدية لسليمان لتقَصِّي خبره ومعرفة أمره، أم الملأ – وفيهم رجالٌ قطعًا إن لم يكن كلهم من الرجال – عندما تفاخروا بقوَّتِهم وأبدوا استعدادًا للحرب دون معرفة قوَّة الخصم؟

أيُّهما أعقل: بلقيس لما أسلمت لله لما ظهر لها الحق أم صناديد قريش الذين أصرُّوا على الكفر؟

أيُّهما أعقل: الصحابيات المسلمات أم صناديد قريش؟

قال: أنا لا أقول: إن كل النساء سفيهاتٌ أو أقل عقلاً من كل الرجالِ، أنا أتحدَّث عن المجمل، وبالتأكيد هناك في النساء مَن هن أعقل من نوعٍ معينٍ مِن الرِّجال.

قلتُ له: رغم أنك قلتَ عن كل النساء: إنَّهُن سفيهات وأقل ذكاءً وشأنًا من الرجال، لكني سأغض الطرف عن هذا، وأقول: إنك لم تقله، لكن بعد قولك الذي يُعَدُّ نقطةَ اتفاق، سأعيدُ السؤال: ما معنى أن النساء أقل عقلاً؟ هل هو الذكاء أم الشأن أم ماذا؟

سَكَتَ لحظة، وقال في ارتباك: لا أفهم قصدك.

قلت له: لا بأسَ، سأجيب أنا:

إن نقصان العقل عند المرأة هو: أن النساء عادةً – وليس كلهن – عند التفكير في أمر يَنْظُرْن له من زاوية عاطفية مرجَّحة عندها على الزاوية العقلية. 

فمثلاً: لو أن أمًّا ترى ابنها سيَتَألم لو أخذ دواءً أو حقنًا أو تمت له عملية جراحية ما – فستراها تندفع بعاطفتها لتمنع عنه الألم والأذى القريب، وتُلْقِي وراء ظهرها المصلحة الراجِحَة في هذا الألم، في حين أن الرجل عادةً – وليس كل الرجال أيضًا – يتحامل على عواطفه في مقابل الراحة البعيدة.

هكذا تجد أن المرأة بطَبعِها غالبًا تغُلِّب الناحية العاطفيَّة على الناحيَّة الحسابيَّة البحتة، ويغضبها أمور قد لا تُلْق لها أنت بالاً، كما تُسعِدُها أيضًا أمورٌ لا تُلْق لها أنت بالاً بحساباتك المنطقيَّة.

والعاقلة من النساء من تُقاوِم هذه العاطفة الجامحة وغير العاقلة من أن تنساق فيها إلى نهايتها، وكلتاهما أنقَصُ في المقاومة والنظر من هذه الزاوية من الرجال في المجمَل، وليس على التفصيل.

وفي الواقع هذا يؤهِّل النساء أن يكنَّ أكثر ذكاءً عاطفيًّا من الرجال؛ فيجدن أمورًا بِطبعِهن وفطرتهن لا يستطيعها الرجل بطبعه وفطرته؛ فنقصان عقل المرأة ليس معناه انتقاصَها، أو أنها غبِيَّة ومعوَجَّة وسفيهة، أو أقل شأنًا، فقد نشأت أغلَبُ النساء في الحلية ولم يُجْبَلْنَ على الشقاء، نَعَم، لكن هذه الجِبِلَّة هي الأنسب للإنسانية والحياة الأسرية، فلا بد من قائد ورعية.

ونقصان عقلها بوجه عام يمنع مجمل النساء – أو على وجه الدقة أغلب النساء – من مباشرة أعمال معينة، وإن كان بعضهن قد يقُمْن بنفس العمل بجَودَة مساوية أو أكثر من الرجال.

والحقيقة أن الكمال عند كل نوع يختلف، فَضَعْف المرأة ودموعها  – مثلاً – كمالٌ، وخشونتها وغلظتها ضعف. والعكس تمامًا عند الرجال؛ وانظر إلى قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((كمل من الرجال كثيرون، ولم يكمل من النساء إلا أربع))؛ تفهم أن للمرأة كمالاً مطلوبًا، وللرجل كمالٌ مطلوبٌ، ولم تبلغ امرأة الكمال المطلوب منها إلا أربع من النساء، وبلغ كثيرٌ من الرجال الكمالَ المطلوبَ منهم، وليس هذا تفضيلاً؛ بل حكاية عن أمرٍ واقعٍ، فعدد الأنبياء وحواريهم وكبار الصحابة مثلاً أكثَر من أربع، وهذا منطقيٌّ جدًّا، فامرأة تُصَلِّي، وطفل أو أكثر يصرخ في أذنها، ويجذبها من ملابسها، ويبُول على موضِع سجودها، أنَّى لمثل هذه أن تكمُل إلا بشق الأنفس؟!

فنقصان عقل المرأة كمالٌ لها في بيتها، هو كمال خِلْقِيٌّ فِطْري، كما أنه تكليفٌ للرجل بمراعاة هذا، وحق لكل امرأة أن تفخر بنقصان عقلها؛ فليس هذا انتقاص لها أو تقليل من شأنها، فالذي خلقها هو الذي قدَّر هذا النقص؛ ليكون في حقيقته كمالاً للحياة الأسرية ولها كامرأة، ومثل هذا مثل ضعف بدنها بالنسبة للرجل، إذا برز للنساء عضلات مثل عضلات الرجال: هل ستفرح المرأة بهذا أو تَعُدُّه نقصًا حقيقيًّا ودمامةً وتشويهًا لبدنها؟ هل ستعد أنت هذا كمالاً للمرأة أو تعُدُّه منظرًا مشوهًا؟ هل ضَعْفُ بدن المرأة بالنسبة للرجل مدعاةٌ للاستهزاء بها والسخرية منها أو هو في حقيقته كمالٌ؟

إن الحياة ستصير غاية في الجفاف والجفاء، لو كان كلا العقلين يفكران بالطريقة العملية العقلية البحتة، التي تميِّز ما نطلق عليه بوجه عام: “عقلٌ كاملٌ“؛ بل قد يكون التفكير بهذه الطريقة في بعض الأحيان قسوةً في غير محلِّها، ومذمومة ومرفوضة.

ولو نَظرت إلى حقيقة تفكير ملكة سبأ، فإن عدم اندفاعها للحرب نبع عن تفكيرها العاطفي، وهو أنها لا تعرف قوَّة الخصم، فخافت من المجهول، ورأت بعاطفتها فساد قريتها، وتألم أهلها بهذا الإفساد، حتى لو انتصرت على العدو فقد عرَّضت أمَّتَها وشعبها للألم وأنهكت قوتها المادية والمعنوية، فكانت بتفكيرها العاطفي أعقل من الملأ.

واندفاع الرجال من الملأ في الحرب نبع من تفكيرهم الحسابي البحت: نحن أولو قوَّة وأولو بأس شديد، فحسابهم قوتهم وشعورهم أنهم أفضل وأنهم يرون الانتصار قريبًا، ولو تألَّمُوا.

فكان تفكير الملكة في هذا الموضع بطريقتها العاطفيَّة ممدُوحًا وأنفَع لها، خاصَّةً وأنَّ خَصْمَها كان في حقيقة الأمر نبيٌّ من أنبياء الله، ولو فرضنا أنها أكثر منه قوَّة في الدنيا فسينتصر بأمر الله في الدنيا وفي الآخرة، فنفعها نقصانُ عقلها الذي هو تغليبُ عواطفها في هذا الموقف بالذات.

لكن بوجه عام إذا وليت امرأة أمرَ المسلمين، وحكمت بهذه الطريقة المغرقة في العاطفة – عطَّلت مصالح شرعيَّة كثيرة.

أيَبدُو لك في كلامي هذا خطأٌ؟

قال: لا.

قلت: إذًا هل هذا يدل على أن النساء أقل شأنًا من الرجال؟

قال متعجِّبًا: كلامُك يدل على أنهن لسن أقل ذكاءً ولا أقل حكمةً، بل إنهن يتمتَّعْن بنقصان عقل لصلاح المجتمع، وأن هذا النقص يعني الاندفاع في التفكير العاطفي، وتغليبه على التفكير العقلي العملي الحسابي المادي البحت.

لكن لو لم تكن أقل شأنًا، فلماذا فضَّل الله الرجل بالقوامة؟

قلت: أصلَحَك الله – يا صديقي – إن قوامة الرجل ليست تشريفًا له، إنما هو تكليف بمراعاة البيت، وسيُسأل عنه يوم القيامة؛ فكونك مكلَّف بأمر زائد عن المرأة ليس أمرًا مُفرِحًا بالتأكيد! يبدو لي هذا كأن يَفرَح أحدهم بأنه وليُّ أمرِ قطرٍ ما من الأقطار، ولا يدري المسكين أنه مسؤول من الأمير، ومن الله – عز وجل – أيضًا عما ولاه من أمر المسلمين، فيفرح فرحًا قريبًا يجعله يتطاول ويتمادى في الغيِّ، ثم عند الحساب يبكي ويلطم خدَّيْه، ويقول: يا ليتني، ما وُلِّيتُ.

ثم هل الرعية أقل شأنًا من الحاكم أو أنهما أمام الله سواءٌ؟ فقط أحدهما ولي مسؤوليةً يحاسَب عليها.

وقد ذكر الله تعالى أن هذه القوامة لتفضيل في الخلق ولأمر أخر، وهو وجوبُ إنفاق الرجل على البيت.

فلو نظرنا للأمر من زاوية أخري، لقُلنا: إن المرأة في الشرع الإسلامي كملكة في إمبراطورية، يحكمها ملك مطالب بتلبية رغباتها ومراعاة شؤونها على ما اعتَادَت عليه في بيت أبيها والعرف.

واللهِ، إن النساء في الإسلام يُحْسَدْنَ على ما لهن من حقوق؛ فهي قد رُفِع عنها تكليف بالرعاية الكاملة للبيت، وهذا يعني بالتالي أنها لن تحاسَب على ما يفعله الزوج، فأُسقِط عنها تكليفٌ وحساب وأُلقِيا على عاتق الرجل.

وراعى الدين طبيعتها العاطفية، فلم يكلفها بما لا تطيق، بل كلف الرجل بمراعاة هذا.

فتجد النبي – صلى الله عليه وسلم – يأمر بالرفق بهن ومراعاتهن، وحفظ حقوقهن.

وتجده يأمر بالاستمتاع بالمرأة على عِوَجِها العاطفي بالنسبة لمنطق الرجل المادي، ويأمر بعدم محاولة تقويم هذا العوج، مما يعني أنه عوج ممدوح لإقامة البيت المسلم.

ويأمر بملاطفة الزوجات ويوصي بالنساء خيرًا، ويَنهَى عن ضربهن… إلخ، كل تلك الأحاديث والآيات التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع.

وتخيَّل لو كان كلٌّ من المرأة والرجل يفكر بطريقة مادية بحتة: كيف تستقيم الحياة؟

كان صديقي ينصت لي مصغيًا. 

سكتُّ لحظة، فقال: أكمل؛ أنا معك.

أكملت قائلاً: انظر إلى المثل الذي ضربه النبي – صلى الله عليه وسلم – على نقصان عقل المرأة، إن شهادة الواحد من الرجال بشهادة اثنين من النساء، والتعليل في الآية: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، لأن طبيعة المرأة الحيضُ ثم الحَمل والولادة، وهذه الأمور تجعل ذاكرة المرأة للأحداث التي لا تتعلق مباشرة بمحيط اهتمامها ضعيفة، فتجد المرأة لها ذاكرة قوية جدًّا في الملبس والمأكل؛ لأنهما مهنتها اليومية، وتجدها فيما لها وما عليها من مال حاضرة الذهن.

أما دَين لا يخصها في شيءٍ ولا علاقة لها به، فقلة ضبطها فيه واردة جدًّا، ومثل ذلك ترديد بعض العلماء أن علم الحديث هو علم الرجال. لماذا؟ لأن الرجل بطبيعته الفطرية أضبط في حفظ الأسماء والأسانيد، وكل ما يتعلق بعلوم الحديث، أما النساء، فهن أقل ضبطًا في ذلك كله.

ولكن قد تجد من النساء مَنْ فرَّغت نفسها للعلم، فنالت منه حظًّا لم ينله غيرها من الرجال، لكن دفعت ثمن ذلك غاليًا من أمومتها واستقرارها في بيت الزوجية.

سَكَتُّ لأتَمَالك أعصابي وأنفاسي، ثم أردفت:

في عصر الصحابة لم نسمع أنهم تحدثوا عن المرأة باعتبارها كائنًا أنقصَ، كانوا يعرفون العيوب التي سماها النبي – صلى الله عليه وسلم – ويتعاملون بمقتضاها، فهم يعرفون أنها أضعف من الرجال جسمانيًّا ونفسيًّا فترفقوا بها. 

حتى منع النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – الحادي – من الحُدَاء – خشية أن تسرع الجمال فتتأذى القوارير على أحد تفسيرَي الحديث.

ومما يدل على أن الشرع إنما ذكر عيوب المرأة ونقصان عقلها، الذي هو تغليب عواطفها عن التحكيم المادي البحت؛ لتكون أصلاً في الأحكام – ما ذهب إليه الكثير من الفقهاء بجواز قطع الصلاة النافلة، إذا نادت الأم على المصلِّي، وعدم جوازها إذا نادى الأب على الابن، فليس ذكر نقصان عقلها سببًا في الاستهزاء بها والتنقص منها؛ بل أصلاً ينبني عليه العديد من الأحكام الشرعية، سواء بالنص أو بالاجتهاد، ويجب مراعاته وفي نفس الوقت هو تنبيه للمرأة حتى تحسن التعامل مع كِيانها.

قال صديقي ضاحكًا: ها أنت قد سَمَّيْتَها عيوبًا.

قلت له: صديقي العزيز، إذا كان لديك جهازٌ يعمل في البلاد الباردة بجودَة، لكن إذا احتجت لتشغيله في بلدٍ حارَّةٍ مثلاً تضطر إلى إنقاص قطعة ما منه، هذا يُسمَّى عيب من باب أن الجهاز نقص قطعة، لكن لو لم تحذف هذه القطعة لما كان الجهاز مناسبًا لك أنت في بلدك الحارَّة.

قال في لطف: نعم، نعم، فهمت، أنا فقط أمازحُك، أكمِلْ.

قلت: على الصعيد الثاني، تتأثر المرأة بالوعظ وتخشَع أكثر من الرجل لطبيعتها العاطفية.

أضف إلى هذا كله: أن طبيعة الرجل، واختلاطه بالمجتمع العملي، وانخراطه فيه، في حين أن المرأة عادة تراعي شؤون عدد معين من الأفراد – أسرتها – بالإضافة إلى طبيعته الجسمانية المختلفة عن النساء – كلُّ هذا يولِّد عنده طبائع وإدراكًا معينًا مختلفًا عن إدراك النساء. 

إذًا أنت ترى أن نُقصَان عقل النساء بالنسبة للرِّجال… لا علاقة له لا بذكاء، ولا بسفاهة، ولا بقلة الشأن؛ بل المقصود اتخاذ القرار الصائب الحازم في الوقت المناسب، وتغليب الناحية المادية العقلية على الناحية العاطفية في الوقت المناسب.

قال: أوضِح أكثر.

قلت: بالمثال يتَّضح المقال، عندما ترفض أنت ذهاب أولادك للحضانة في سنٍّ مبكِّرٍ، يكون رفضك بسبب ماذا؟ سبب عقلي، تخشى فسادًا معينًا، تخشى أمراضًا مثلاً.

أما رفض المرأة، فيكون غالبًا بسبب عاطفيٍّ: “سأفتقد الأولاد”، ولو لم تصرح به، فهو هناك في ركنٍ مظلمٍ من عقلها، ولولا هذه العاطفةُ، لأُلْقِيَ الأطفال في الشوارع.

مثال آخر: عندما يكون طفلك بحاجة لعملية جراحية، الرجل يتخذ القرار في وقت قصير، أما المرأة فرغم علمها أن القرار الصائب هو الموافقة، لكن تحتاج لدعم عاطفيٍّ كبير وتهدئة نفسية لتوافق، فقرار المرأة الصائب هاهنا قد لا يأتي في الوقت المناسب احتاجت وقتًا لتقاوم طبيعتها العاطفية.

والمسألة في النساء درجات طبعًا، لكن هذا على الغالب؛ فمن النساء مَن تَزِن ألف رجل ممن انْسَاق خلف عواطفه وشهواته، وهو يرى الحق ويعرفه، وهذا مُشاهَد، ولهذا تفرَّع عن تلك المسألة النهي عن إمارة وقضاء المرأة؛ لأن الغالب على النساء تغليب العاطفة، أو احتياج وقت للتغلب عليها، فليس هناك داع لمغامرة غير مأمونة العواقب بالسماح بتوليتها هذه المناصب، ثم يتَّضِح أنها لم تتغلَّب على تلك الطبيعة العاطفية بما يكفي لتوليتها المنصب.

فحتى المرأة التي تُغالِب طبيعتها تعود فتغلبها تلك الطبيعة العاطفية، والطبع يغلب التطبُّع، وأكرر أن طبيعتها هذه كمالٌ لها في كثير من المواقف، ومحمودة ومرغوبة، وهي سبب استقرار وسعادة الأسَرِ.

فكما يقال: إن المركب التي لها قبطانانِ تغرق ولا بد.

لكن لا تجد نهيًا عن أن تُفتِي أو تطبِّب مثلاً؛ لأن هذا يحتاج إلى حنكة وعلم وذكاء وخبرات يمكن للمرأة اكتسابها ببساطة؛ لأنها مؤهلة لذلك، ولن تمنَعها طبيعتها العاطفية من اكتسابها.

ومَن كانت من النساء ذات طبيعة حساسة أو مرهفَة تجدها من تلقاء نفسها تَبتَعِد عن المجالات التي لا تناسبها مثل الطب، وهذا مشاهد كما أنه مشاهدٌ أن النساء طبيبات ماهرات؛ بل إن التوليد عملية صعبة، ورغم هذا طوال عمرنا نعرف أن هذا عمل النساء، ألا إن من تتفوق في هذه المجالات تجدها تدفع الثمن غالبًا أيضًا من استقرار بيتها أو أمومتها، ومنهنَّ من تَنجَح في الموازنة بالكاد، ولو أن كلَّ امرأة لم تتزوَّج صَرَفَت هَمَّها في علم من العلوم النافعة  – لرأيتَ منها نجاحًا لا رَيبَ فيه.

قال – وهو يَمُطُّ شفتَيهِ -: نَعَم، كلامٌ منطقيٌّ، لكن الطبيب الرجل غالبًا ما يكون أمهَرَ من النساء.

قلت: هذا الكلام لا علاقة له بنقصان عقلها أو عدمه أصلاً، فمن تتفوق، تتفوق لأنها تفرَّغَت للعلم، ومن لا تتفوق، فلأنها فضلت بيتها على العلم والمهنة، فهل كون المرأة تفضِّل بيتها ومشقة العمل فيه على المهنة والعلم – داعٍ للاستهزاء منها، أو داعٍ لشكرها وتقديرها والامتنان لفعلها؟ ولو استمر كل رجل على منوالِكَ، لعزفت النساء عن الزواج، أو أهْمَلْن البيوت؛ لِيُثْبِتْنَ للرجال أنهن جديرات بالاحترام، وأنهن لَسْنَ أقلَّ قدرةً على العلم والتعلم والاشتغال بالمِهَن.

فَكَثْرَة الرجال المَهَرَة في هذه المجالات؛ لأن الطبيعي أن يكون للرجل مِهنَة، فهي شُغلُه الشاغل، أما النساء فالبيت شغلها الشاغل الذي يلتهم عُمرَها وجهدها، وهي سعيدةٌ بهذا.

أما كونك تربط كثرة الرجال المهرة في المهن بنقصان عقل المرأة، فخطأٌ ظاهرٌ، والدليل: أن النساء في المدارس والكليات غالبًا ما يتفوَّقْن بل قد يَفُقْنَ الرجال.

قال متأففًا: لكن أنا لا أثق في عقولِهن، ولا أسلم نفسي لطبيبة.

قلت له: حقًّا؟! ومن طلب منك أن تذهب لطبيبة امرأة؟ يَحدُث هذا عندما تعدم الرجال درءًا للفِتنَة، لكن حسنًا، أتترك زوجتك تذهب لطبيب النساء والتوليد أو الأسنان مثلاً؟ أم إنك تظل تبحث وتتحرى عن طبيبة ماهرةٍ تتولى أمرها، ولو كان الأمر قهريًّا؟

قال في ارتباك: أأ، أعني، أقصد، لا.

زفر بقوَّةٍ ثم قال: حسنًا أعتَرِف: سأتحرى عن أمهر طبيبةٍ مِن النساء.

ثم أرْدَف محرجًا: أنا اقتَنَعْتُ،  فقط أنا أُمَازِحُك أكمِلْ، يا عزيزي.

قلت: ثم هل جاء الإسلام بانتقاص النساء، والحثِّ على قهرهن وإهانتهن؟

ألم ترَ كيف كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعامل زوجاته ويُدَلِّلُهن ويرفق بهن؟

ألم تَرَ أن السيدة عائشة كانت تفتي والصحابة حضور، ولم ينكر عليها أحدهم بدعوى أنها امرأة ناقصة؟ بل كانت تخالف الصحابة في فتاواهم، ولم يتهمها أحد أنها تخالفهم لنقصٍ فيها، ولم يشر أحدهم لهذا ليثبت أن كلامَه أصوَب من كلامها.

وانظر إلى أخذ النبي – صلى الله عليه وسلم – بنصيحةِ أم سلمة يوم الحديبِية، هل هذا فعلٌ يَدُل على أنه ينتقص النساء؟ ألا يدل مجرَّد استشارته لها ثم العمل بنصيحتها على كونها عاقلةً وتستحق الاحترام؟ وهذا طبعًا خلاف كلماتك التي ذكرتها من مشاورة النساء ومخالفتهن.

قال صديقي: كلام جميل وموزون، يبدو أنني سأعيد التفكير في منطقي هذا. هيا أكمل: ما الذي تنتقده عليَّ أيضًا في الخطبة.

قلت ضاحكًا في غيظ مَرِحٍ: خطبتك كانت عجيبة حقًّا!! اعذرني على انتقادي لك بهذه الطريقة، فقد استفزَزْتَنِي، وأنا أحبك، ولا أحب أن أرى منك عيبًا.

بدأتَ خُطْبتك بالحث على الزواج الثاني والثالث، وما تعلمته منك أنت شخصيًّا قبل العلماء والفقهاء أن الزواج الثاني له أحكام الزواج الأول: من وجوب، وحرمة، واستحباب، وإباحة؛ إذ هو ليس فرضًا على إطلاقه. وكذلك فإن لكل مقام مقالاً، ويجب مراعاة مقتضى الحال؛ فهل يليق في يوم عقد نكاح امرأة بكر أن تتحدث عن الزواج الثاني؟ وخاصة أن هذا يوم فَرَح لتلك المرأة التي اخترتُها زوجةً لي، فهل يليق أن تستفزَّ مشاعر الغَيْرَة في يوم فرحها بهذا الدعاء؟

قال في أسف: أنت محق في هذه.

قلت له: أتعرف أين الخلل في علاقة الرجل بالمرأة؟

قال في فضول: ما هو؟

قلت: إننا نقارن بينهما من زاوية غير صحيحة. الحقيقة أنني لم أجد حديثًا أو آيةً فيها مقارنة بين الرجال والنساء بالصورة التي نفعلها؛ لأن الله تعالى خلق الرجل وأمره بأمورٍ، وخلق المرأة وأمرها بأمورٍ، وكل من الأمر الموجه إلى هذا أو تلك مناسب تمامًا لما جبل الله عليه كلاًّ منهما، من الناحية النفسية والعضوية.

فأنت يمكنك أن تقارن بين رقم ورقم باعتباره رقمًا، أو حرف وحرف باعتباره حرفًا، لكن أن تقارن بين رقم وحرف، فهذا لا يكون على سبيل المساواة؛ بل على سبيل التكامل؛ فأنت تحتاج للحروف كما تحتاج للأرقام.

فليس من العقل أن نقول: إن الحروف أفضل من الأرقام على الإطلاق أو العكس.

هذه مقارنة غير عادلة؛ ولهذا قال تعالي: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97].

قال صديقي: لكن في آية القوامة قال تعالي: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]. 

قلت: نعم، القوامة جُعِلت للرجل؛ لأن الله تعالى فضَّل الرجال على النساء بعدَّة أمور منها: العقل المنطقي، وقوة البدن.

ولاحظ اللفظ: {بما فضل الله به} يعني: أن هناك أمورًا معينةً فضَّل الله بها الرجال على النساء، جعلت الرجال مناسبين للقوامة أكثَرَ مِن النساء.

وهذا اللفظ مُختَلِف عن أفعَل التَّفْضِيل المطلَق فالله تعالى لم يذكر في الآية أنهم الأفضل على الإطلاق.

ولاحظ أنت سياق قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32].

يعني أن كل منهما فُضِّل بأمور، وما فضل الله به الرجال على النساء من هذه الأمور جعلته أصلح للقوامة، وتذكر كلامي عن كون القوامة تكليفًا لا تشريفًا.

أطرَقَ الصديق برهةً ثم قال: أكمل – يا صديقي – لا فُضَّ فُوك.

قلت: لهذا فإنه عندما يطالب الغرب بالمساواة بين الرجل والمرأة فهذا ظلم؛ لأن المساواة تعني أن آخُذ من الرجل والمرأة المثل وأعطيهما المثل، وهذا ظلم للرجل في كثير من الأمور، وظلم للمرأة في كثير من الأمور، والعدل مراعاة مقتضي الحال، دون مقارنة تؤدي لانتقاص أحد الطرفين.

هل تعلم: لماذا استجابت النساء في الدول العربية لدعاة الغرب والتحرير؟

نظر متعجبًا، وقال: لماذا؟

قلت: لأن كثيرًا من الرجال في الدول الإسلامية نحَّوا الإسلام جانبًا، ومنعوا المرأة حقوقها العاطفية والنفسية، متأوِّلِين ما تأولْتَ أنت من الكتاب والسنة فافتَقَدَت الشعور بالأمان، ثم بدأ الرجل في التفاخر عليها بقوته ويتشدق بأنه يسلبها حقوقها؛ لأنها ناقصة عقل، ويُكثر من الحديث: أنها مجرد خادمة، لا حَقَّ لها في علم ولا تستطيعه؛ على الرغم من أنه على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يمنع امرأة من العلم على اختلافه، بل وكان العرب يفخرون بالمرأة العالمة والتي تحفظ من الشعر وتلقيه، وتلك الفصيحة والشجاعة، وكتب تاريخ العرب والحديث ممتلئة بهذا.

فظنت المسكينة في زمننا هذا أنها لو خرجت لميدان الرجل، وتحرَّرَت من سيطرته المادية والمعنوية – ستثبت له أنها الأفضل.

وللعلم هذا النوع من الانتقاص سبَّب نفس المشكلة للأهل مع الأولاد، فمحاولة فرض السيطرة غير العادلة بدعوى النقص في الآخَر، هو نفس المشكلة للمراهقين في بيوت المسلمين؛ فالمرأة كما يقهرها الرجل تقهر هي أولادها، ولاحظ أنها أكثر احتكاكًا بهم في البيوت، وتلك المشكلة التي لم تظهر إلا في الفترة الأخيرة، لكن دعنا لا نخرج عن صلب الموضوع.

فالرجل هو الذي أدَّى للمشكلة، وهو السبب في منازعة المرأة له وعنادها، وقد قيل: لا تَتَجَاهلها حتى لا تعاندك، ولو تصرف الرجل من منطلق القوامة لاختلف الأمر؛ فالقوَّام يحتوي ويحلم ويرفق؛ لأنه يثق أنه قادر على إدارة دفة الأمور.

أما الرجال اليوم فلديهم عقدةُ نقصٍ عجيبةٌ (أسد عليَّ، وفي الحروب نعامةٌ)!!

تخيل عندما يرفق بك مديرك في العمل هذا الرفق هو في الواقع نوع من القوة له وتثبيت لإدراته؛ فأنت حينها تشعر بالأمان، وتحترمه، وتشعر أنه مدير جيد، ولا تحاول أبدًا التعدِّي عليه، عدا الحاقدين طبعًا، ولكنَّ رفقَه وعدلَه يجعلان من العسير عليهم إسقاطه. 

لكن إذا أراد المدير أن يثبت سيطرته بانتقاصك وإهانتك واغتصاب حقوقك أو بعضها – فإنَّ رَدَّ فِعْلِك لا يُؤمَن سَاعَتَها، ولن يكون محمودًا، ولو صبرت بعض الوقت فهناك نقطة انفجار.

قال مفكرًا: صدقت، أكمل.

قلت: وانظر إلى وصف النبي – صلى الله عليه وسلم – لهن بالقوارير، انظر لهذا اللفظ؛ المرأة مخلوق هشٌّ رقيق أنيق كالقوارير، يحتاج لنوعٍ من اللُّطف والحرص في التعامل.

وانظر إلى حِلم النبي – صلى الله عليه وسلم – بنسائه في مواقف عديدةٍ:

عندما قامَت السيدة عائشة، وغارت وكسرت الإناء: هل قال لأصحابه: انظروا لنقصان عقلها؟ كلاَّ

هل سخر منها واستهزأ؟ كلاَّ.

هل غضب ورفع صوته، وقال: لا بد أن تعرفي مَن القائد هنا؟ كلاَّ.

بل قال برفقه المعهود: ((غارت أمُّكم)).

انظر إلى تبجيله لها،  ذكَّر الصحابة أن هذه أمهم ولو غارت فهي أمهم.

انظر إلى أمره – صلى الله عليه وسلم – الرجال بحسن صحبة الأم، وشدد على هذا؛ بل قدمها على الأب.

توقفت لحظة لأري أثر كلامي في وجهه.

نظر لي، وابتسم، وقال: أكمل أكمل فحديثك شائق؛ لقد نجحت في إثارة فضولي.

قلت: هل تذكر كم صحابيَّة خرجت تقاتل وتذب عن النبي – صلى الله عليه وسلم؟

هل منَعَهن النبي – صلى الله عليه وسلم؟

هل قال لها: ارجعي، لا تقاتلي فأنت ناقصة؟!

هل قال لها: هذا عمل شاقٌّ لا يلائمُك؟!

بل سألها في لطف: ((ما أخرجك؟ ما الذي جعلك تحملين السلاح لتقاتلي؟)).

فلمَّا ردَّت عليه الصحابية: أقاتل دونك، تركها تَفعَل، واليوم نحن نتعجب من شجاعتها وحزمها وحبها للنبي – صلى الله عليه وسلم.

طبعًا، لو حدث هذا اليوم، لقال لها من يرى نقصان النساء في احتقار: ارجعي، يا امرأة، فليس هذا المجال لمثلك، إنه مجال الرجال، أما النساء الناقصات فالخدمة في البيوت مكانهن فقط.

كم من امرأةٍ تسمع هذا الكلام من أمثالك فيستفزها، ثم إذا قرأت نفس الأحاديث التي سُقْتَها أنت كأدلة من كتب الحديث، فإذا هي بردٌ وسلامٌ وأمانٌ على قلبها.

لماذا، يا تُرَى، يستفِز النساءَ كلامُك، ولا يستفزهن كلام النبي – صلى الله عليه وسلم؟

قال وهو يبتسم: لا أدري، لكن لا وجه للمقارنة.

قلت له: لاختلاف السياق والنيّة والرحمة.

قال: وجهة نظر مقبولة.

رفعت رأسي، وقلت: الحمد لله، لكن هناك نقطةً أخرى أحب أن أناقشها معك.

قال: تفضل.

قلت: الصحابي الجليل عبدالله بن عمر – إن لم تَخُنِّي الذاكرة – عندما روى حديث: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله))، قال له ابنه: بلى، لنمنعهن. ماذا فعل؟ غضب على ابنه غضبًا شديدًا، على الرغم من أن مقصد الابن أنه سيمنعهن؛ لأنهن خالفن الصورة التي أجاز بها النبي – صلى الله عليه وسلم – لهن الخروج عليها، لكن الصحابي هاله أن يعارض ابنه لفظ الحديث.

كم رجلاً اليوم يخالف أمرَ النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله وفعله؟

يحرِّم على المرأة ما أحله لها الاسلام؛ بدعوى أنها فتنة وشيطان وسفيهة… إلخ، هذه الصفات المحقرة لشأن النساء، والتي تستفز المرأة جدًّا وتدفعها أكثر للتمرد.

ويقول هؤلاء الذين يحرمون على النساء الحلال: لو تركنا لهن الحبل على الغارب – رغم أن هذا الغارب هو ما أباحه الله تعالى – لفعلن وفعلن، ويذكرون أفعالاً مشينة لا تفعلها حرَّة عفيفة بل فقط فاجرة ماجنة، فهل كل النساء فجَّار مُجَّان، لا رابط لهن ولا ضابط، ولا عفة ولا خشية؟

وهل كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يَجهَل ما يؤدِّي للفتنة فيحرمه؟

أم أننا اليوم أعلَم منه بالفِتَن، فنحرم ما لم يحرمه؟

سكتُّ، فأردَفْتُ:

ثم من يُرِدْ تحريم الحلال على النساء، يُجَمِّلْ في التنقص منهن، ويجعل ذلك سببَ التحريم.
ألم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلم مقدارَ فِتنَتِهِن؛ فيحرم عليهن ما يحرمه هؤلاء؟! 

سَكَتَ مُفكِّرًا، ثم قال: نَعَم، كلامُك صحيح، هذا يحدث، وأفهَم ما ترمي إليه وإن لم تقُله، واللبيب بالإشارة يفهَم.

أكمِل: ما الذي لم يعجبك في الخطبة أيضًا؟

قلت – وكأنَّنِي ألقي القاضِيَةَ -: تقول في خطبتك وتَنصَح بضرب النساء؟

ارتبك، واحمرَّ وجهه خجلاً، ولم يرُدَّ.

فقلت له: يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيرُكم لأهله))، وقال عن الرجال الذين ضربوا زوجاتهن: ((ليسوا أولئك بخياركم)).

واستدللت بقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((خلقت المرأة من ضلع أعوج)) في سياق الذم، فماذا كان يريد النبي – صلى الله عليه وسلم – بهذا الكلام؟

قال مرتبكًا: اشرح، يا أخي.

قلت: إن الحديث حثَّ على تحمُّل الزوج لزوجته في تمنُّعِها وتدلُّلِها، واندفاعها العاطفي، والأمر بالاستمتاع بها على ما فيها، وعدم محاولة تغييره؛ بل التعامل معها بمقتضاه واحتماله.

ثم ارتفع صوتي: فتأتِي أنت وتستدل بالحديث على اعوجاج خُلُقِهَا، وتوجب الضرب بمقتضي الحديث! من أين أتيت بهذا الكلام؟! 

سَكَتَ فقلت له: وكل ما سلف نَقرَة، وقولك عن المرأة: إنها مملوكة نَقرَة؛ من أين أتيت بهذه الكلمة؟

قال في حيرة: ألم يقل النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن النساء عوانٍ عندكم)).

قلت في غيظ: يا أخي، ألم يقل الله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 43]؟

يا أخي، النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((استوصوا بالنساء خيرًا)).

لماذا (خيرًا)؟ لأنهن عوان؛ يعني أن المرأة في بيتك كما هو مشاهد لا تملك حق الخروج من غير إذنك، ولا تملك التصرف في مالك، كما أنه ليس من حقها الامتناع عن فراشك، وكل هذا بأمر الشرع لها.

فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يلين قلوب الرجال على زوجاتهم، ويوصيهم بهن خيرًا؛ فإنهم إن استوصوا بهن خيرًا، أعانوهن على طاعة الله – عز وجل – فيهم، كما أمرهنَّ الله تعالى.

فإن كانت تقيَّة وامتَنَعَت عما هو محرم عليها، وأدت ما عليها – فهي كالعوان، يعني الأسير.

فاستوصِ بها خيرًا لتستمرَّ علي هذا الحال.

فهل هذا السياق مثل سياقك؟

قال في خجل: لا.

قلت: هل تتمنى أن تجد زوجتك – من كثرة ما استفززتها بتحويرك الشرع وألفاظه – تتمرد على أوامر الله، ثم لا يسعها لتتخلص من تأنيب ضميرها لمخالفتها الشرع أن تطلب الطلاق؟! فقط لتتخلص من امتلاكك لها بهذه الصورة القهرية، التي رسَمْتَها في خُطْبَتُكَ فِي عَقْدِ نِكاحِي.

ثم ألا تجد أن هناك فرقًا بين مملوكةٍ وعوانٍ؟

النبي – صلي لله عليه وسلم – يتخيَّر ألفاظه، يا أخي، ونَحْن لا نتخير ألفاظنا.

وإلا فما الفرق بين الزوجة والمملوكة، أو ما يسمى بملك اليمين؟

قال في تردُّد: أنا لا أجادلُك؛ لقد فهِمْت قَصدَك، لكن: ألا ترى النبي – صلي لله عليه وسلم – استخدم لفظ التَّملُّك للمرأة في حديثه عن العقد، فقال: ((ملكتموهن بكلمة الله))؟

قلت له: فرق بين الفعل وبين اسم الفاعل الذي يدل على صفة لازمة.

ثم، يا أخي، استخدم كل لفظ في السياق الذي استخدمه النبي – صلى الله عليه وسلم – وبنفس الاشتقاق؛ فإن كلامه الرفيق الحكيم الذي يُلِين القلوب – مختلفٌ عن كلامك المستفز، وعندما تستخدم كلماته – صلى الله عليه وسلم – وسياقه احذر من لكنَةٍ ساخرة تفسد الأمر.

سكتُّ ألتقطُ أنفاسي، فقال لي في خجل: لديك حقٌّ في كل ما قلته، غفر الله لي ولك.

قلت له: لا تغضب مني لانفعالي؛ فقد استفزتني طريقتك جدًّا أمسِ.

ثم أردفت في هدوءٍ:

ليت كل من يتحدث عن المرأة من الملتزمين يستخدم لكْنَةَ احترام وتبجيل؛ فالمرأة هي أمك وأختك وزوجتُك وابنتك، ولو استخدمنا هذه اللكنة في حديثنا عنهن، لوجدنا ردَّ فعل غير متوقَّعٍ من الاستجابة. 

ثم أردفت في غيظٍ مرِح: لكِنَّك كدَّرْت الخطبة، وفي يوم عقد نكاحي.

سَكَتَ وَأطْرَقَ… ثم رفع رأسه، وقد شاعت في وجهه ابتسامة رائعة، وقال: لقد استفدت منك اليوم أيما استفادة.

فابتسمت والتقطت أنفاسي، وقلت له بابتسامة ودُودٍ: لا تغضب مني؛ ففعلاً كان كلامك مستفزًّا، ولولا محبتي لك لما صرحت لك بذلك.

قال: لا يمكنني أن أغضب منك – يا صديقي الصدوق – فأنت خيرُ من يذكرني ويردني للحق.

ثم ضحك في ارتباك، وحك رأسه، وقال: لقد علمت الآن: لماذا تعاندني زوجتي دومًا.

إغلاق
error: Content is protected !!