مثّلت معركة تبوك منعطفًا كبيرًا ومهمًّا في تاريخ الدّولة الإسلاميّة؛ حيث أعطتها هيبةً في نفوس أعدائها، كما احتلّت موقعًا مهمًا على خريطة العالم، وأصبحت من القوى المؤثّرة في المشهد السّياسي، فقد كان هدف النّبي عليه الصّلاة والسّلام من هذه الغزوة بثّ الرّعب في صفوف الرّومان والإمبراطوريّة البيزنطيّة التي كانت مسيطرةً من خلال حلفائها على بلاد الشّام، وقد قيل في بعض الرّوايات التّاريخيّة إنّ النّبي الكريم قد وصلته أخبار بنيّة الرّومان الوصول إلى الجزيرة العربيّة، وتهديد الدّولة الإسلاميّة فيها، فأراد النّبي الكريم استباق الأمور ومباغتة الرّومان في عقر دارهم وبين حلفائهم، فأعدّ النّبي الكريم العدّة لذلك وجهّز جيشًا من المسلمين قوامه ثلاثين ألفًا بعد أن حثّ على الإنفاق على هذه المعركة الكبيرة.
وقد سمّيت معركة تبوك بمعركة العسرة لأنّها حصلت في وقتٍ شديد الحرّ، كما ساهم بعد المسافة بين المدينة والشّام على إضفاء هذه السّمة على المعركة، وقد وصل المسلمون إلى عين تبوك الّتي ينسب اسم المعركة إليها، وعندما علم الرّومان بقدوم جيش المسلمين فرّوا على أعقابهم، وتراجعوا باتّجاه الشّمال خوفًا من مواجهة المسلمين، وقد حدثت معركة تبوك الّتي لم يحصل فيها تلاحمٌ واشتباك مع جيش الرّومان في شهر رجب من السّنة التّاسعة للهجرة.
وسمّيت معركة تبوك بالفاضحة؛ لأنّها فضحت كثيرًا من المنافقين الّذين تعلّلوا بأعذار واهية للتّخلف عن هذه المعركة، فمنهم من طلب الإذن من النّبي عليه الصّلاة والسّلام بعدم الخروج بحجّة الخوف من الفتنة؛ حيث ادّعوا عدم صبرهم على نساء الرّوم، ومنهم من قام ببثّ الإشاعات وتثبيط المسلمين عن الذّهاب إلى هذه المعركة بحجّة أنّها وقعت في ظروف غاية في الصّعوبة؛ حيث الحرّ الشّديد وبعد المسافة، كما بيّنت تلك المعركة وميّزت المؤمنين الصّادقين الذين قدّموا أروع المثل والنّماذج في العطاء والبذل، فها هو عثمان بن عفّان رضي الله عنه يقوم بتجهيز ثلث الجيش من ماله حتّى قال عنه النّبي الكريم ما ضرّ عثمان ما فعل بعد ذلك، وقد تصدّق عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بنصف ماله، وأبو بكر الصّديق رضي الله عنه بكلّ ماله، وقد أعطت تضحيات المسلمين وصمودهم في هذه المعركة قوّةً للدّولة الإسلاميّة وهيبةً في نفوس أعدائها.
إقرأ أيضا:طريقة حساب الزكاة والدخل للمؤسساتوقد كانن من نتائج معركة تبوك أن عقد النّبي الكريم عهودًا مع نصارى إيلة ودومة الجندل، الّتي وجدت في الدّولة الإسلاميّة بديلاً قوياً عن حليفها الرّوماني، كما كانت تلك المعركة مقدّمةً لفتح بلاد الشام لاحقًا، وقدمت وفود الجزيرة العربيّة تبايع النّبي في عام سمّي بعام الوفود .