أما شروطه فأهمها: تسليم رأس المال للمسلم إليه في مجلس العقد وأن يكون المسلم فيه مما يمكن ضبطه بالوصف الذي تختلف فيه الأغراض، بحيث تنتفي الجهالة عنه، وأن يكون معلوم الجنس والنوع والقدر والصفة للمتعاقدين، وأن يكون المسلم ديناً أي شيئاً موصوفاً في الذمة غير معين، وأن يكون مقدوراً على تسليمه بأن يغلب على الظن وجود نوعه عندما يحين وقت استحقاقه، وكذلك تعيين الأجل الذي يجب عنده تسليمه، وتعيين موضع تسليمه إذا كان الموضع الذي جاء العقد فيه لا يصح لذلك، أو كان يصلح للتسليم ولكن لنقل المسلم فيه إليه كلفة ونفقة، هذه هي أهم شروط السلم.
وفي الحديث المتفق عليه عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاثَ فَقَالَ: “مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ”.
قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: فِيهِ : جَوَاز السَّلَم , وَأَنَّهُ يُشْتَرَط أَنْ يَكُون قَدْره مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْن أَوْ غَيْرهمَا مِمَّا يُضْبَط بِهِ, فَإِنْ كَانَ مَذْرُوعًا كَالثَّوْبِ, اُشْتُرِطَ ذِكْر ذُرْعَان مَعْلُومَة, وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا كَالْحَيَوَانِ, اشْتُرِطَ ذِكْر عَدَد مَعْلُوم. وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيل فَلْيَكُنْ كَيْله مَعْلُومًا, وَإِنْ كَانَ فِي مَوْزُون فَيَكُنْ وَزْنًا مَعْلُومًا, وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلاً فَلْيَكُنْ أَجَله مَعْلُومًا. وَلا يَلْزَم مِنْ هَذَا اِشْتِرَاط كَوْن السَّلَم مُؤَجَّلاً, بَلْ يَجُوز حَالاً; لأَنَّهُ إِذَا جَازَ مُؤَجَّلاً مَعَ الْغَرَر فَجَوَاز الْحَال أَوْلَى; لأَنَّهُ أَبْعَد مِن الْغَرَر, وَلَيْسَ ذِكْر الأَجَل فِي الْحَدِيث لاشْتِرَاطِ الأَجَل, بَلْ مَعْنَاهُ: إِنْ كَانَ أَجَل فَيَكُنْ مَعْلُومًا, كَمَا أَنَّ الْكَيْل لَيْسَ بِشَرْطٍ, بَلْ يَجُوز السَّلَم فِي الثَّبَات بِالذَّرْعِ, وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَيْل بِمَعْنَى أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيل فَلْيَكُنْ كَيْلا مَعْلُومًا أَوْ فِي مَوْزُون فَلْيَكُنْ وَزْنًا مَعْلُومًا.اهـ
والقاعدة التي يبنى عليها أكثر مسائل السلم: «أن كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، لأنه لا يؤدي إلى المنازعة، وما لا فلا ، لأنه يكون مجهولاً فيؤدي إلى المنازعة فيه». ويجوز في المكيلات والموزونات والمزروعات والذرعيات والمعدودات المتقاربة كالجوز والبيض، لأنه يمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره، ولا يجوز في العدديات المتفاوتة كالبطيخ والرمان إلا وزناً بوزن كما هو حاصل اليوم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.