اسمه ونسبه
الإمام الأمير أبو نجيح ويقال أبو شعيب عمرو بن عَبَسَةَ بن خالد بن حذيفة السُّلَمِيّ البجلي، أحد السابقين الأولين، وبنو بجيلة: رهط من سليم، وكان عمرو بن عبسة السلمي يرى أنه رابع أربعة هم أول المسلمين. قال عن نفسه: “فلقد رأيتني إذ ذاك ربع الإسلام[1].
قصة إسلام عمرو بن عبسة
روى الواقدي أن عمرو بن عبسة، قال: رغبت عن آلهة قومي، فلقيت يهوديا من أهل تيماء، فقلت: إني ممن يعبد الحجارة، فيترك الحي، فينزل الرجل، فيأتي بأربعة حجارة، فينصب ثلاثة لقدره، ويجعل أحسنها إلها يعبده. فقال: يخرج من مكة رجل يرغب عن الأصنام، فإذا رأيته فاتبعه، فإنه يأتي بأفضل دين.
وعند الآجري في كتاب الشريعة عن أبي أمامة الباهلي يحدث عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، قال: “رَغِبْتُ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَرَأَيْتُ أَنَّهَا آلِهَةٌ بَاطِلَةٌ, يَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ وَرَأَيْتُ الْحِجَارَةَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، قَالَ: فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ, فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَفْضَلِ الدِّينِ؟ فَقَالَ: يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ مَكَّةَ, وَيَرْغَبُ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِهِ، وَيَدْعُو إِلَى غَيْرِهَا, وَهُوَ يَأْتِي بِأَفْضَلِ الدِّينِ, فَإِذَا سَمِعْتَ بِهِ فَاتَّبِعْهُ, فَلَمْ يَكُنْ لِي هَمٌّ إِلَّا مَكَّةَ، آتِيهَا أَسْأَلُ: هَلْ حَدَثَ فِيهَا أَمْرٌ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَأَنْصَرِفُ إِلَى أَهْلِي وَأَهْلِي مِنَ الطَّرِيقِ غَيْرُ جَدِّ بَعِيدٍ فَأَعْتَرِضُ الرُّكْبَانَ خَارِجِينَ مِنْ مَكَّةَ، فَأَسَأَلُهُمْ: هَلْ حَدَثَ فِيهَا خَبَرُّ أَوْ أَمْرٌ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَإِنِّي لَقَاعِدٌ عَلَى الطَّرِيقِ، إِذْ مَرَّ بِي رَاكِبٌ فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنْ مَكَّةَ، قُلْتُ: هَلْ حَدَثَ فِيهَا خَبَرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَجُلٌ رَغِبَ عَنْ آلِهَةِ قَوْمِهِ، وَدَعَا إِلَى غَيْرِهَا، قُلْتُ: صَاحِبِي الَّذِي أُرِيدُ، فَشَدَدْتُ رَاحِلَتِي، فَجِئْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ أَنْزِلُ فِيهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ؟ فَوَجَدْتُ مُسْتَخْفِيًا شَأْنَهُ، وَوَجَدْتُ قُرَيْشًا عَلَيْهِ جُرَآءَ، فَتَلَطَّفْتُ لَهُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ..” ثم ذكر الحديث.
إقرأ أيضا:أحاديث زيارة المريضوفي رواية الإمام مسلم عن أبي أمامة الباهلي يحدث عن عمرو بن عبسة قال: “كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شئ وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا، فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا جرءاء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة.
فقلت له: ما أنت؟ قال: أنا نبي. فقلت وما نبي؟ قال: أرسلني الله. فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأنه يوحد الله لا يشرك به شيء. قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: حر وعبد. قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به. فقلت: إني متبعك. قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس!! ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني.
قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكنت في أهلي، فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم على نفر من أهل يثرب، من أهل المدينة، فقلت: ما فعل الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟، قال: نعم، أنت الذي لقيتني بمكة ؟ قال: فقلت: بلى، فقلت: يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة ؟
إقرأ أيضا:أولو العزم من الرسلقال: صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار.
قال: فقلت: يا نبي الله فالوضوء؟ حدثني عنه، قال: ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه” [2].
نظرات في قصة إسلام عمرو بن عبسة
1- أن عمرو بن عبسة رضي الله عنه كان من الحنفاء المنكرين لعبادة غير الله تعالى في الجاهلية.
2- كانت الحروب الإعلامية الضروس التي شنتها قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم سببًا في تتبع عمرو بن عبسة لأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- جرأة وشدة قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد وجده عمرو بن عبسة مستخفيًا وقومه جرآء عليه.
4- الأدب في الدخول على أهل الفضل والمنزلة, قال عمرو بن عبسة: “فتلطفت حتى دخلت عليه”.
5- الرسالة المحمدية تقوم على ركيزتين: حق الله، وحق الخلق، قال صلى الله عليه وسلم: “أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان”. وفي هذا دليل على أهمية صلة الأرحام حيث كان هذا الخلق العظيم ألصق ما يكون بدعوة الإسلام، مع اقترانه بالدعوة إلى التوحيد، وقد ظهر في هذا البيان الهجوم على الأوثان بقوة, مع أنها كانت أقدس شيء عند العرب، وفي هذا دلالة على أهمية إزالة معالم الجاهلية، وأن دعوة التوحيد لا تستقر ولا تنتشر إلا بزوال هذه المعالم.
ووفي اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم المبكر بإزالة الأوثان مع عدم قدرته على تنفيذ ذلك في ذلك الوقت دلالة على أن أمور الدين لا يجوز تأخير بيانها للناس بحجة عدم القدرة على تطبيقها، فالذين يبينون للناس من أمور الدين ما يستطيعون تطبيقه بسهولة وأمن، ويحجمون عن بيان أمور الدين التي يحتاج تطبيقها إلى شيء من المواجهة والجهاد, هؤلاء دعوتهم ناقصة، ولم يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي واجه الجاهلية وطغاتها وهو في قلة من أنصاره، والسيادة في بلده لأعدائه.
6- حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أمان صحابته وتوفير الجو الآمن، والسير بهم إلى بر الأمان وإبعادهم عن التعرض للمضايقات، قال لعمرو بن عبسة: “إنك لا تستطيع يومك هذا”.
7- تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحوال أصحابه وعدم نسيان مواقفهم، قال: “أنت الذي لقيتني بمكة”.
8- في قصة إسلام عمرو بن عبسة رضي الله عنه يبدو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخبره بأسماء سائر من أسلم وإنما سمي أبا بكر وبلالًا فقط حرصا على سلامة من أسلم من الأذى، وربما لأنه إنما أسلم بعد إجابة سؤاله عمن أسلم يومئذ وتعبير عمرو بن عبسة: “فلقد رأيتني إذ ذاك ربع الإسلام”، إنما هو بحسب ما بدا له. وإلا فقد كان عدد المسلمين أكثر من ذلك في المرحلة التي أظهرت فيها قريش جرأتها على الإسلام وأذاها للمسلمين كما يدل قول الرسول: ألا ترى حالي وحال الناس!!
ومما يدل على أن المسلمين كانوا متكتمين في أمر إسلامهم أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه كان يرى نفسه رابع الإسلام أيضًا. وقد علل بعض الرواة تعارض كلام أبي ذر مع كلام عمرو بن عبسة فقال: “كلاهما لا يدري متى أسلم الآخر”. مما يشير إلى أن مبدأ سرية الدعوة كان يراعى في بعض الحالات حتى مرحلة الدعوة الجهرية تبعا لما تقتضيه مصلحة الدعوة الناشئة.
9- لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعطي كل من أسلم قائمة بأسماء أتباعه، فهذا ليس للسائل منه مصلحة ولا يتعلق به بلاغ؛ ولذلك لما سأل عمرو بن عبسة عمن تبعه قال: “حر وعبد”، وهذه تورية كما قال ابن كثير: “بأن هذا اسم جنس فهم منه عمرو أنه اسم عين”.
10- في قوله صلى الله عليه وسلم: “ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي ظهرت فأتني”، نأخذ منه درسًا في الدعوة: إن تكديس المريدين والأعضاء حيث المحنة والإيذاء ليس هو الأصل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه نحو الرجوع إلى الأقوام، وأمر كما نرى بالهجرتين إلى الحبشة، فذلك تخفيف عن المسلمين وإبعاد لهم عن مواطن الخطر وستر لقوة المسلمين، وإعطاء فرصة للقائد حتى لا ينشغل، وضمان للسرية، وإفادة للمكان المرسل إليه، وإعداد للمستقبل وملاحظة لضمان الاستمرار وتجنب الاستئصال [3].
عمرو بن عبسة بعد إسلامه
ظل عمرو بن عبسة في قومه على إسلامه، ثم كان قدومه المدينة بعد غزوات بدر، وأحد، والخندق، ثم قدم المدينة فسكنها. وعن معاوية بن صالح بإسناد حسن، عن سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، قال: أسلمت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: “الحق بقومك”. ثم أتيته قبل الفتح.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نزل عمرو بن عبسة الشام، لذلك يعد رضي الله عنه في الشاميين.
روى عنه من كبار الصحابة: عبد الله بن مسعود، وأبو أمامة الباهلي، وسهل بن سعد الساعدي. ومن كبار التابعين: أبو إدريس الخولاني، وجبير بن نفير، وكثير بن مرة، وضمرة بن حبيب، وعدي بن أرطاة، وحبيب بن عبيد، وسليم بن عامر، ومعدان بن أبي طلحة، وأبو ظبية الشامي، وعدة.
وكان عمرو بن عبسة رضي الله عنه من أمراء جيش المسلمين يوم معركة اليرموك [4].
وقد اشترك عمرو بن عبسة رضي الله عنه في حصار الطائف، روى أحمد وأبو داوود وابن حبان اولحاكم عن عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي (عمرو بن عبسة) رضي الله عنه قال: حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من بلغ بسهم فله درجة في الجنة”، فبلغتُ يومئذ ستة عشر سهمًا. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر ،ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة، وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما فإن الله جاعل كل عظم من عظامه وفاء (في رواية: وقاء)كل عظم بعظم منه من النار، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل كل عظم من عظامها وفاء كل عظم من عظام محررها من النار” [5].
وفاة عمرو بن عبسة
أخرج أبو نعيم من طريق حصين بن عبد الرحمن، عن عمران بن الحارث، عن مولى لكعب. قال: انطلقنا مع عمرو بن عبسة والمقداد بن الأسود، ونافع بن حبيب الهذلي، وكان على كل رجل منا رعية، فخرج عمرو بن عبسة يوما للرعية، فانطلقت نصف النهار -يعني لأراه، فإذا سحابة قد أَظَلَّتْهُ، ما فيها عنه مفصل، فَأَيْقَظْتُهُ. فقال: “إِنَّ هَذَا شَيْءٌ أُتِينَا بِهِ، لَئِنْ عَلِمْتُ أَنَّكَ أَخْبَرْتَ بِهِ لَا يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ خَيْرٌ”، فَوَاللهِ مَا أَخْبَرْتُ بِهِ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللهُ.
قال الحافظ ابن حجر: “ويقال: إنه مات بحمص، قلت: وأظنه مات في أواخر خلافة عثمان، فإنني لم أر له ذكرا في الفتنة، ولا في خلافة معاوية”
وقال الذهبي: لم يؤرخوا موته. ثم قال: لعله مات بعد سنة ستين، فالله أعلم [6].
[1] أحمد: مسند أحمد، 4/ 112. ابن سعد: طبقات ابن سعد، 4/ 215. الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/ 456. الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 2/ 315 بإسناد حسن. الحاكم: مستدرك الحاكم، 3/ 65، 66 وصحح إسناده.
[2] مسلم: صحيح مسلم، 1/ 596، وقارن برواية الآجري: الشريعة (رقم: 977)، بإسناد حسن فيه إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن الشاميين كما هو الحال في هذا السند، وفيه عمرو بن عبد الله السيباني مقبول فقد توبع هنا من قبل أبي سلام الدمشقي.
[3] أكرم ضياء العمري: السيرة النبوية الصحيحة، 1/ 139 – 140. علي الصلابي: السيرة النبوية، ص138 – 139.
[4] ابن الأثير: أسد الغابة، 3/ 749. الذهبي: سير أعلام النبلاء، 2/ 457، 459.
[5] سنن أبي داوود، (3965)، مسند أحمد، (17063، 19447، 19448). صحيح ابن حبان، (4309، 4615). مستدرك الحاكم، (2469، 2560، 4371). وقال الألباني: صحيح.
[6] أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، 2/ 16. الذهبي: سير أعلام النبلاء، 2/ 459 – 460. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، ط: دار الكتب العلمية، 4/ 547.