الأدب العربي

قصيدة فاطمة في الريف البريطاني

قصيدة فاطمة في الريف البريطاني

1
شهر ديسمبر رائع…
شهر ديسمبر في لندن ، هذا العام ، رائع
فبه هاجمني الحب ..
وألقاني جريحاً كمصابيح الشوارع..
هذه فاطمةٌ تلبس بنطالاً من الجلد نبيذياً..
وتوصيني بأن أمسكها من يدها كي لا أضيع
وهي تدري جيداً..
أنني من يوم ميلادي ، ببحر الحب ضائع
فلماذا في (هارودز) نسيتني؟
ولماذا غضبت مني .. لماذا أغضبتني؟
وهي تدري أنني من دونها..
لا أقطع الشارع وحدي..
لا ولا أدخل في المعطف وحدي..
لا ولا أشرب فنجاناً من القهوة وحدي..
لا ولا أعرف أن أرجع للفندق وحدي..
فلماذا في (هارودزٍ) صلبتني؟
فوق أكداس هداياها .. لماذا صلبتني؟
وهي تدري أنني أعبدها
من رأسها حتى الأصابع..
شهر ديسمبر رائع.
2
شهر ديسمبر ، يبقى ملكاً بين الشهور
فهو أعطاني مفاتيح السماوات..
وأعطاني مفاتيح العصور..
ورماني كوكباً مشتعلاً
حول نهديك يدور..
سقطت في لندنٍ ، كل التواريخ،
وغابت تحت جفنيك جبالٌ وبحور..
شهر ديسمبر ، ألغاك .. وألغاني..
فنحن الآن ضوءٌ غير مرئيٍ..
وعطرٌ .. وبخور..
شهر ديسمبر .. مجنونٌ تعلمت به.
أن تثوري..
وتعلمت به كيف أثور..
شهر ديسمبر ..
ألغى عقدة الحب التي نحملها
فإذا بي مثل عصفورٍ طليقٍ..
وإذا بك ، يا فاطمةٌ ،
دون جذور..
3
لندنٌ .. باردةٌ جداً..
فيا فاطمةٌ..
إفتحي فوقي مظلات الحنان
لندنٌ قاسيةٌ جداً..
وإني خائفٌ جداً..
فردي لي شعوري بالأمان
خبئيني تحت قفطانك ، يا فاطمةٌ
مثل طفلٍ..
فلقد ضيعت أبعادي، وأبعاد المكان
حاولي أن تصبحي أمي .. كما أنت الحبيبه
من زمانٍ .. لم أضع رأسي على صدرٍ حنونٍ..
من زمان…
4
لندنٌ حبي..
وفي باركاتها غنيت أحلى أغنياتي
لندنٌ مجدي..
ففيها قد تغرغرت بأولى كلماتي..
لندنٌ حزني..
على كل رصيفٍ دمعةٌ من دمعاتي
لندنٌ عاصمة القلب..
وفيها قد تلاقيت بست الملكات..
لندنٌ،
تعرف وجهي جيداً..
فأنا جزءٌ من اللون الرمادي..
ومن أعمدة النور..
وأضواء الميادين..
وصوت القبرات..
منذ أن جئت إليها عاشقاً
أصبحت لندن إحدى المعجزات..
لندنٌ .. تأخذني كالطفل في أحضانها..
وطوال الليل، تتلو من كتاب الذكريات..
لندنٌ صاحبة الفضل .. فقد
علمتني العشق في كل اللغات…
5
هذه فاطمةٌ..
تقتحم التاريخ من كل الجهات..
إنها تدخل كالإبرة..
في كل تفاصيل حياتي..
آه .. كم تعجبني فاطمةٌ..
عندما تجلس كالقطة بين المفردات..
تأكل الفتحة .. والضمة .. في شعري..
وتبتل بأمطار دواتي..
مبحرٌ في زمن الكحل..
ولا أدري لأين؟
مبحرٌ فيك .. ولا أدري لأين؟
يا صباح الخير.. يا عصفورتي
أنا في أحسن حالاتي..
فما أطيب القهوة في قربك..
ما أرشق هاتين اليدين..
ثم ما أروع أن يكتشف الإنسان
في ذات صباحٍ لندنيٍ..
في مكانٍ ما.. على ظهر الحبيبه…
شامتين…
لم تكونا، عندما جئت مساء البارحه..
مولودتين…
فاتركيني.. أضفر الشعر الذي
طال في لندن، من فرط حناني، بوصتين..
واتركيني..
أمسك الشمس التي تغطس بين الشفتين..
أتركيني ، أوقف التاريخ يا فاطمةٌ
لحظةً .. أو لحظتين..
أخذوا كل عناويني.. ولم يبق أمامي
غير هذا الشارع الضيق بين الناهدين…
7
لندنٌ تمطرني ثلجاً .. وأبقى باشتهائي بدويا..
لندنٌ تمنحني كل الثقافات .. وأبقى بجنوني عربيا..
لندنٌ تمطرني عقلاً .. وأبقى فوضويا..
لندنٌ تجهل حتى الآن .. من أنت لديا
آه .. يا سنجابة الليل التي تدخل في الأعماق
رمحاً وثنيا…
إن تاريخك قبلي كان تاريخاً غبيا
إن عصري قبل أن يرسلك الله إليا
كان عصراً حجريا..
فاشربي شيئاً من الخمر معي..
إشربي شيئاً من الحلم معي..
إشربي شيئاً من الوهم معي..
إشربي شيئاً من الفوضى معي..
إشربي حتى تصيري امرأةً..
واتركي الباقي عليا..
شهر ديسمبر يأتي
لابساً معطف شاعر
شهر ديسمبر يهديني دموعاً .. وشموعاً .. ودفاتر..
هذه فاطمةٌ تلبس كيمونو من الصين..
موشى بالأزاهر..
شاي بعد الظهر من بين يديها
مهرجاناتٌ من اللون..
وموسيقى أساور..
لم تكن فاطمةٌ مشرقة الوجه
كما كانت (بمارلو)..
لم تكن صافية العين كما كانت (بمارلو)..
لم تكن معتزة النهدين من قبل..
كما كانت (بمارلو)..
لم تكن ملفوفة الخصر..
كما كانت (بمارلو)..
إنني آمنت أن الحب ساحر..
9
هذه فاطمةٌ..
تغسل نهديها النحاسيين بالماء.. كطائر
وأنا في الغرفة الخضراء أستلقي سعيداً
تحت أشجار الكاكاو..
وهتافات المرايا والستائر..
فاشربي شيئاً من الشعر معي..
فأنا _ دونك يا سيدتي_ لست بشاعر
إشربي حتى تصيري امرأةً..
إن حبي لك مجنونٌ .. وملعونٌ..
ووحشي الأظافر..
ورق الأشجار في (مارلو)..
نحاسيٌ .. وورديٌ .. وأصفر..
ولقائي بك في الريف البريطاني
حلمٌ لا يفسر..
والعصافير ترى ثغرك في أحلامها
وردةً .. أو نجمةً .. أو قرص سكر
وأنا معتقلٌ ما بين نهديك ..
ولا أطلب – يا سيدتي- أن أتحرر..
آه .. يا قطة (مارلو)..
ليتني أقدر أن أغرق في فروك أكثر…
ليتني أقدر أن أبقى..
بهذا الفندق الضائع بين الغيم أكثر.
ليتني أقدر أن أدخل في جلدك..
في شعرك..
في صوتك أكثر..
آه .. يا أيتها الأنثى التي لا تتكرر
هل عشقت امرأةً قبلك.. يا فاطمةٌ؟
إنني لا أتذكر..
هل سأهوى امرأةً بعدك .. يا فاطمةٌ
إنني لا أتصور..
11
آه .. يا قطة (مارلو) الساحره
علميني .. كيف تلغى الذاكره
هل سألقاك (بمارلو)؟.
بعد عامٍ ، ربما ، أو بعد شهر..
فتنامين على أعشاب صدري..
وتفيقين على أعشاب صدري..
قبل (مارلو) ليس لي عمرٌ .. فأنت الآن عمري..
بعد (مارلو) سيقول الناس:
ما أجمل عينيك .. وما أعظم شعري..
لم أشاهد ليلة القدر.. فهل
أنت ، يا فاطمةٌ ، ليلة قدري؟؟
12
أرجعيني مرةً أخرى إلى (مارلو)..
ففيها عشت عصري الذهبيا..
لم ير الريف البريطاني من قبلك
عينين تقولان كلاماً عربيا..
قبل أن ألقاك في فندق (مارلو)
كنت إنساناً..
وأصبحت نبيا
أرجعي لي غرفتي في ملتقى النهر،
وأحلامي..
وركني الشاعريا..
قبل (مارلو) لا يساوي العمر شيا
بعد (مارلو) لا يساوي العمر شيا
إن عينيك هما ما كتب الله عليا
فاتركيني نائماً بينهما..
واقفلي الباب عليا..

إقرأ أيضا:قصيدة ” أنا و ليلى ” لحسن المرواني
السابق
قصيدة ” فضح الهوى سري ” يحيى السماوي
التالي
قصيدة ” غريرة في المكتبة” لإبراهيم طوقان