في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ | أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ |
قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا | عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا |
تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها | رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَد |
أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جهلُهمُ | ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد |
طالَ التَمحْلُ واعتاصتْ حُلولُهم | ولا تزالُ على ما كانتِ العُقَد |
ليتَ الحياةَ وليت الموتَ مرَحمَةٌ | فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لبَد |
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِبا قُصفَتْ | ولا العجوزُ على الكّفينِ تَعتمِد |
وليتَ أنَّ النسورَ استُنزفَتْ نَصفاً | أعمارُهنَّ ولم يُخصصْ بها أحد |
حُييَّتِ ” أُمَّ فُراتٍ ” إنَّ والدة | بمثلِ ما انجبَتْ تُكنى بما تَلِد |
تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِها | بُدّاً ، وإنْ قامَ سدّاً بيننا اللَحد |
بالرُوح رُدِّي عليها إنّها صِلةٌ | بينَ المحِبينَ ناذا ينفعُ الجَسد |
عزَّتْ دموعيَ لو لمْ تَبعثي شَجَناً | رَجعت مِنه لحرِّ الدمع أبترِد |
خَلعتُ ثوبَ اصطِبارٍ كانَ يَستُرنُي | وبانَ كِذبُ ادِعائي أنَّني جَلِد |
بكَيتُ حتَّى بكا من ليسَ يعرِفُني | ونُحتُ حتَّى حكاني طائرٌ غَرِد |
كما تَفجَّرَ عَيناً ثرَّةً حجَرٌ | قاسٍ تفَجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَلد |
إنّا إلى اللهِ ! قولٌ يَستريحُ بهِ | ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحدوا |
مُدَّي إليَّ يَداً تُمْدَدْ إليكِ يدُ | لابُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نتَّحِد |
كُنَّا كشِقَّينِ وافي واحداً قدَرٌ | وأمرُ ثانيهما مِن أمرِهِ صَدَد |
ناجيتُ قَبرَكِ استوحي غياهِبَهُ | عن ْحالِ ضيفٍ عليهُ مُعجَلا يفد |
وردَّدَتْ قفرةٌ في القلبِ قاحِلةٌ | صَدى الذي يَبتغي وِرْداً فلا يجِد |
ولَفَّني شَبَحٌ ما كانَ أشبَههُ | بجَعْدِ شَعركِ حولَ الوجهِ يَنعْقد |
ألقيتُ رأسيَ في طيَّاتِه فَزِعاً | نظير صُنْعِيَ إذ آسى وأُفتأد |
أيّامَ إنْ صناقَ صَدري أستريحُ إلى | صَدرٍ هو الدهرُ ما وفى وما يَعِد |
لا يُوحشِ اللهُ رَبعاً تَنزِلينَ بهِ | أظُنُ قبرَكِ رَوضاً نورُه يَقِد |
وأنَّ رَوْحكِ رُحٌ تأنَسِينَ بها | إذا تململَ مَيْتٌ رُوْحُهُ نَكَد |
كُنَّا كنبَتةِ رَيحانٍ تخطَّمَها | صِرٌّ . فأوراقُها مَنزوعَةٌ بَددَ |
غَّطى جناحاكِ أطفالي فكُنتِ لهُمْ | ثغراً إذا استيقَظوا ، عِيناً اذا رقَدوا |
شّتى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ بها | فهلْ يكونُ وَفاءً أنني كمِد |
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَسٌ | لهُ محلاً ، ولا خُبْثٌ ولا حَسد |
ولم تكُنْ ضرةً غَيرَى لجِارَتِها | تُلوى لخِيرٍ يُواتيها وتُضْطَهد |
ولا تَذِلُّ لخطبٍ حُمَّ نازِلُهُ | ولا يُصَعِّرُ مِنها المالُ والولد |
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ | واللهِ لو كانَ خيرٌ أبطأتْ بُرُد |
ضاقَتْ مرابِعُ لُبنانٍ بما رَحُبَتْ | عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُد |
تلكَ التي رقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُها | أيامَ كُنَّا وكانتْ عِيشةٌ رَغَد |
سوداءُ تنفُخُ عن ذِكرى تُحرِّقُني | حتّى كأني على رَيعانِها حَرِد |
واللهِ لم يحلُ لي مغدىً ومُنْتَقَلٌ | لما نُعيتِ ، ولا شخصٌ ، ولا بَلَد |
أينَ المَفَرُّ وما فيها يُطاردُني | والذِكرياتُ ، طرُّيا عُودُها ، جُدُد |
أألظلالُ التي كانتْ تُفَيِّئُنا | أمِ الِهضابُ أم الماء الذي نَرِد؟ |
أم أنتِ ماثِلةٌ ؟ مِن ثَمَّ مُطَّرَحٌ | لنا ومنْ ثَمَّ مُرتاحٌ ومُتَّسَد |
سُرعانَ ما حالتِ الرؤيا وما اختلفَتْ | رُؤىً ، ولا طالَ – إلا ساعةٍ – أمَد |
مررتُ بالحَورِ والأعراسُ تملؤهُ | وعُدتُ وهو كمثوى الجانِ يَرْتَعِد |
مُنىً – وأتعِسْ بها – أنْ لا يكونَ على | توديعها وهيَ في تابُوتها رَصَد |
لعلَّني قارئٌ في حُرِّ صَفْحَتِها | أيَّ العواطِفِ والأهواءِ تَحْتَشِد؟ |
وسامِعٌ لفظةً مِنها تُقَرِّظُني | أمْ أنَّها – ومعاذَ اللهِ – تَنْتَقِد |
ولاقِطٌ نظرةً عَجلى يكونُ بها | ليْ في الحياةِ وما ألقى بِها ، سَند |
إقرأ أيضا:قصيدة ” ليلى المؤنسة ” قيس بن الملوح