ما معنى كلمة مثوى في القرآن

ما معنى كلمة مثوى في القرآن

المثوى هو المستقر، والمآل الذي يبلغه المرْء بعد عناء ومكابدة، ويصل إليْه بدون تخطْيط ولا سعي ولا تدبير مسبق، وقد يكون مثوى سوء أو مثوى راحة وكرامة ، هذا المفهوم ليس للدلالة على الخير المحض، أو الشر المحض؛ بل محايدة تصف الحال سواء كان مآل خير أو مآل شر.

هل كلمة مثوى خاصة باهل النار

لتقريب مفهوم مفردة مثوى بالتمثيل على ذلك، فلو خرج رجل من بيته هائما في الصحراء فاستقر به المسير في واحة باردة ومنزل مبارك فهو مثواه؛ لأنّه لم يسعى للوصول إليه بعينه ولم يجهد في التدبير لذلك، وكذلك لو استقر به المسير في يد جماعة مجرمة عذبوه وسلبوه وسجنوه لصار سجنهُ مثوى له أيضاً لأنه لم يسعى لهذا المصير.

وكذلك الحال في القرآن الكريم فمثلاً يقول تعالى :

“وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” [يوسف:23]

يوسف عليه السلام وصل إلى مصر بعد رحلة عناء ومكابدة فكان بيت العزيز مثواه ، لأنه مآله ومستقره الذي لم يكن يسعى إليه ولم يخطط للوصول إليه ، فلما وصل أحسن العزيز مثواه وقد كان يحتمل أن يكون مثوى سيء ، فعلم من ذلك أن المثوى له حال حسن وحال سيء.

ويقول تعالى :

“وَلَٰكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ” [القصص:45]

وهذا في سياق حديثه تعالى عن موسى عليه السلام  والمعلوم بأنّ موسى خرج من مصر خائفاً يترقب فكان مصيره بعد رحلة عناء ومكابدة إلى مدين ولم يكن قد ابرم أمره على مآله ومنتهى سيره فكانت مدين مثوى موسى بعد هروبه من مصر وكان مثوى حسن إذ تزوج وأمن من فرعون وجنده.

يشيع استخدام كلمة مثوى لأهل النار لكونها مستقر ومآل سوء وصلوا إليه بعد عناء ومكابدة في الحياة “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ “[البلد:4]؛ ولكنهم لو كانوا يرون ما سيصلون إليه لما بقوا على كفرهم حتى انحطموا في النار، فهم كمن هام على وجهه في الدنيا حتى انتهت به الحياة إلى القبر فوجد نفسه في جهنم وعذابها الذي لم يكن يسعى إليه بل كان يظن بأن ضلاله سيقوده لغير ما وصل إليه فكان مستقره  مثوى سوء .

ويسمى قبر الرجل، مثواه لأنه استقر فيه بعد عناء الحياة ولم يكن يسعى له ويحتمل أن يكون مثواه حسناً أو سيئاً.

ولو تسائلنا لماذا لم ينسب المثوى لأهل الجنة، فأهل الجنة يعملون لها ويتشوفون لدخولها ويسعون لبلوغها فإذا آواهم الله فيها؛ فلم يصح أن تسمى مثوى لأنّه لا يدخلها إلا من سعى لها سعيها وهو مؤمن وعمل للوصول إليها والسكن فيها، فانتفى عنها أن تكون مثوى لهذا السبب.

ومن المعروف بين المسلمين قول الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة ، لأهل المتوفي ، وهذه من مفردات التعزية التي يستخدمونها. [1]

الفرق بين المأوى والمثوى

المأوى والمثوى كلمتان قريبتان في المعنى، وردتا في آيات القرآن الكريم مرات عديدة.

ولكل كلمة من الكلمتين معنى يختلف عن الآخر، ولا يصح أنْ نستخدم احداهما كبديل في المعنى، أو ترادف في المعنى للمفردة الأخرى.

مفهوم المأوى

المأوى هو المآل الأخير، والإنسان في الآخرة يدخل عالم الخلود سواء لأهل الجنّة أم لأهل النار، من هنا جاءت كلمة المأوى لتصوِّر هذه الحالة.

ونلاحظ معا في الآيات التالية كيف إنّ (المأوى) جاءت لتصف مآلات الطرفين لأهل الجنة ولأهل النار معا ً:

  • المأوى مع الجحيم : (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمأوى)
  • المأوى مع الجنة : (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمأوى)  ، (عِندَهَا جَنَّةُ الْمأوى) ، (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمأوى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

وحين يدعو أحدنا لميت بالرحمة ويقول داعيًا له بالرحمة الله يرحمه ، فهذا يعني أنْ يدخله الله في رحمته سواء في حياته، أو مماته.

مفهوم المثوى

كلمة مثوى هي تصوِّر الوجود المقيَّد في ساحة محدّدة :

  • ( وقال الذي اشتراه من مصر أكرمي مثواه)
  • (إنَّه ربّي أحسن مثواي )
  • ( والله يعلم متقلبكم ومثواكم )
  • ( وما كنت ثاوياً في أهل مدين )

نرى أنَّ المثوى قريب من المجلس في مصطلحاتنا الوضعيّة، وأهل الجنّة حركتهم ليست مقيّدة بمكانٍ محدَّدٍ كما هو أهل النار.

وهنا نلاحظ معا كيف إن كلمة (المثوى) جاءت حصراً مرتبطة بمآل أهل النار فقط، بحسب ملتقى أهل الحديث، ولم تأتي ولا مرة مرتبطة مع لأهل الجنة :

  • (فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)
  • (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ )
  • (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ)
  • (ألَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)
  • (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)
  • (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ )
  • (فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ)
  • (الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ)

وفي هذه الآية نلاحظ معا وفي آية واحدة جاءت كلمة (مثوى) و(مأوى) معاً :

(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)

معنى مثواها الجنة

في سورة يوسف قال تعالى “إنه ربي أحسن مثواي”، وفي آل عمران “ومأواكم النار وبئس مثوى الظالمين)”

المثوى يقولون في اللغة المنزل، أو المكان الذي يثوي فيه الإنسان، والثواء هو الإنحسار في مكان ويكون عادة الإنسان فيه قليل الحركة مثل المسكن، المنزل، الحجرة التي يبيت فيها، المنزل الذي يبيت فيه حركته محدودة فيها بخلاف الفضاء أنت تستطيع أن تمشي أميالاً لذلك يقول الشاعر: رُبّ ثاوٍ يملّ منه الثواء، يعني يستقر في وضعه إلى أن يملّ موضعه منه ويقول أيضاً:

فما دون مصر للغنى متطلب قال بلى إن أسباب الغنى لكثير ، فقلت لها إن الثواء هو التوى وإن بيوت العاجزين قبور الثواء هو التوى يعني هذا الإستقرار في مكان واحد، وإن كان فيه حركة فهو حركة ضيّقة، هو يريد أن ينطلق “إنه ربي أحسن مثواي”، يعني هذا المكان الذي أنا فيه، أحسن منزلي.

وهنا يتبين الفرق بين المثوى والمأوى ، حيث (أوى وآواه) لاحظ الفرق: الهمزة بدل الثاء، الهمزة فيها قوة وهي حرف شديد، أوى فيها نوع من الضم (آوى إليه أخاه) جعله يستقر لكن ضمّه إلى المأوى غير المثوى.

والمأوى استعمل في النار وفي الجنة؛ فالجنة تضم صاحبها والنار تضم صاحبها لكن شتان بين الضمتين، بين إحتضان الجنة للإنسان وإحتضان النار للإنسان.

فالثواء فيه مقام محدود، إن الثواء هو التوى والتوى هو الموت والهلاك؛ فكلمة الثوى، والثواء استعملت في حال الدنيا لأنه منزل يثوي إليه، أو يأوي إليه لذلك نجدها في أكثر من سورة في حال الدنيا.

وفي الآخرة إستعمل اللفظة للنار، وذلك لأن الجنة ليست منطقة ضيقة محصورة، إنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فيها السعة والإنطلاق.

لاحظ مثلاً: (أكرمي مثواه) أي نُزُله في الدنيا. (وما كنت ثاوياً في أهل مدين)، (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) الأماكن التي تتقلبون فيها، تنتقلون إليها والمكان الذي تستقرون فيه (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

إغلاق
error: Content is protected !!