خلق الله عزّ وجلّ الإنسان وكرمه، إذ جعله أعلى المخلوقاتِ منزلةً على هذه الأرض، كما في قوله جلّ وعلا: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”، ومن أبرز مظاهر تكريم الله جل وعلا للإنسان هي منحه العقل، فالعقل هو تلك الأداة التي يستخدمها الإنسان كي يفكر ويتفكّر ويتميّز عن باقي المخلوقات، ليحقق الغاية من خلقه ألا وهي إعمار الأرض ضمن شريعة الله سبحانه وتعالى، لكنّ الإنسان لا يستطيع تحقيق هذه الغاية بمفرده، بل هو بحاجة إلى أفراد آخرون يقفون معه ويساندونه، لذا من نعم الله على البشرية أنّه لم يجعل كل فرد فيها بمعزل عن الآخرين، بل على العكس جعلهم يعيشون ضمن جماعات، بحيث أن لكل فرد فيها مجموعة من الحقوق أهمها الحرية.
الحرية هي ذلك الحق الذي يولد مع الإنسان ويكبر معه، فهي كالهواء الذي يستنشقه لا يستطيع العيش دونها، وهي إحدى أهم أسس الحياة التي لولاها لما كان للحياةِ معنى، والحرية بشكل عام تعني التخلّص من تلك القيود التي تكبل الإنسان وطاقاته، بحيث يكون هو صاحب القرار في كل ما يتعلق بأمور حياته، دون إجبار أو ضغط الآخرين عليه، وقد يكبل الإنسان بقيود مادية كالاستعباد، فكثيراً ما نسمع عن استعباد البشر ذوي البشرة البيضاء للسود الأفارقة وذلك بحجّة أنّهم أفضل منهم وأنّ السود خلقوا ليكونوا عبيداً، إلا أن ذلك منافٍ لجميع الشرائع السماوية وخاصةً الإسلام، فقد خلق الله عزّ وجلّ الناس سواسية لا فرق بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح، وقد تكون القيود معنوية كتلك التي تطبق على أحد المفكرين كي يغير أفكاره لتتماشى مع مبادئ الجهة الضاغطة عليه.
إقرأ أيضا:طريقة صنع المعسلكلّما كثرت القيود حول البشر كلّما أصبحت المجتمعات مكبّلة في مكانها ولا معنى لوجودها في هذه الحياة، وكأنها تعيش في ظلام بلا روح في حياة ملؤها الإحباط والتعاسة، فالإنسان بطبعه لا يحتمل أبداً أن يجبره أحد على أمر ما، أما الحرية هي التي تطلق العنان للعقل ليفكر ويبدع ويبتكر، ويتوصل إلى كل ما هو جديد، واختراع كل ما يسهل الحياة أمام البشرية، كما أن الحرية تجعل من الإنسان صاحب زمام الأمور في كل أمور حياته، فلا يسمح لأحد بأن يتعدى عليه أو يجبره على أن يتخذ قراراً معيناً بأمر ما يخصه، الأمر الذي يجعل منه انساناً أقوى وذو قدرة كبيرة على مواجهة جميع الظروف والتحديات، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية المجتمعات وازدهارها وتطورها.
إقرأ أيضا:هل من الآمن التواجد بالقرب من المدخنين أثناء حملي؟