شاب يدعى أحمد، يسكن في الحي الفقير شمال المدينة، حيث يعيش مع أسرته جنباً إلى جنب مع حيواناتهم الأليفة في بيئة لا تلقي إهتماماً أو أدنى رعاية من الجهات المسؤولة، لا شبكات صرف صحي، ولا تمديدات كهربائية.
نشأ أحمد مع إخوته ناقماً على حالهم جميعاً، يطمح للخروج من هذه البيئة، يطمح لأن ينال حياة تستحق أن يعيشها المرء بحلوها ومرها معاً، لا مرها فقط. لم يكن يلقي اهتماماً في مقتبل العمر سوى لتحقيق ذاته، وتحسين تحصيله الدراسي الذي كان يتدنى شيئاً فشيئاً كلما كبر، وزادت المسئوليات الملقاة على عاتقه، كمساعدة والده في شئون البيت والإنفاق على إخوته وتعليمهم.
في معترك الحياة الكبير، إن استغنيت عن طموحاتك استغنت عنك الحياة، إن استسلمت تخلت عنك الحياة، لذا كان أحمد يعرف ذلك جيداً. عمل وهو يدرس في الثانوية مع أبيه في التجارة، لم يكن والده ذلك التاجر الناجح الفذ الذي قد ينقذهم من مهانة العيش. مع ذلك، أدرك أحمد ألا مناص له ولأسرته سوى تحمل الوضع السقيم لبضع سنين، حتى ينتهي من دراسته الجامعية، ثم يكون بإمكانه تحمل العيش في مكان آخر بعيداً عن شبه المسكن الحالي.
ترك أحمد العمل مع والده بعد إنهائه الدراسة في المرحلة الثانوية، واتخذ له مجالاً آخر، ألا وهو صيانة الهواتف المحمولة، وكان خلال الصيف يدرس دورات في الصيانة، استطاع من خلال ادّخار بعض المال تحمل تكاليف هذه الدورات. بدأ العمل في محل بسيط بعائد مالي يعينه بعض الشيء في الخطو شيئا فشيئا نحو مطمحه بعد اكتسابه الخبرة التي تؤهله للعمل في إحدى المحال ذات الصيت الذائع، تقدم للعمل هناك، وبدأ يتيقن أن الحلم بات قريباً. اضطر أحمد لتأجيل دراسته الجامعية لعام كامل، ليستطيع أثناءه التكفل بمصاريف الدراسة للمدة المتبقية.
بعد خمسة أعوام من الدراسة الجامعية، نال أحمد شهادته الجامعية بمعدل متوسط أهله للعمل كموظف مبيعات بعائد مالي أفضل مما كان يعود عليه من العمل في مركز الصيانة، انتقل أحمد للعمل هناك، ثم ما لبث أن فكر بالعمل بعد إنتهاء ساعات عمله كموظف مبيعات إلى العمل بوظيفة ثانية خلال الفترة المسائية في مركز الصيانة ثانية. لم يعتقد أن مشقة العمل في وظيفتين ستثني عزيمته، بل زاده ذلك إصراراً وتصميماً على تحقيق مآربه. ما هي إلا فترة عامين، حتى استطاع أحمد أن ينتشل أهله من مستنقع الحياة البائس، والعيش في وسط المدينة، حيث يكون النعيم كما كان يُهيَّأ له. عاش هناك مع عائلته في شقة تناسب عدد أفراد أسرته وهو إثنا عشر شخصاً. بعد أن كبر إخوته استطاعوا مساندته وتحمل جزئا كبيرا من العبء الذي كان يثقل كاهله.
مضت السنون، وجاءت الفرصة الذهبية، عمل أحمد في شركة للإتصالات اللاسلكية، وادّخر من المال الشيء الوفير يمكنه من تحمل نفقة بيت خاص به. تمكن أحمد من الزواج والعيش في شقة بالإيجار أيضاً. نال ترقية بدرجة مدير، أهلته لنيل عائد مالي أعلى.
لم يتخل أحمد يوماً عن حلمه، ولم يضعف عزيمته شيء، فكما قال أبو الطيب المتنبي: ” على قدر أهل العزم تأتي العزائم ” .