عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه
عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه (مرحباً بالراكب المهاجر) حديث شريف.
عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة القرشيّ المخزومي وكنيته أبو عثمان، أسلم بعد الفتح، فقد كان هارباً الى اليمن وعند عودته قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { مرحباً بالراكب المهاجر }.
وقد حسُنَ إسلامه، وشارك في حروب الردة.
الهروب تحولت إلي عكرمة رئاسة بني مخزوم بعد مقتل أبيه { أبو جهل } في غزوة بدر، وكان من رؤوس الكفر والغلاة فيه، فرزقه الله الإسلام.
فقد عهد رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة ألا يقتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم، أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عكرمة بن أبي جهل، فركب عكرمة البحر، فأصابهم عاصف، فقال أصحاب السفينة لمن في السفينة: { أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً هاهنا }.
فقال عكرمة: { لئن لم يُنجّني في البحر إلا الإخلاص ما يُنجّيني في البرّ غيره، اللهم إنّ لك علي عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه، أني آتي محمداً حتى أضع يدي في يده، فلأجدنّه عفواً كريماً }.
الأمان وأسلمت زوجته { أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة } يوم الفتح، فقالت: { يا رسول الله، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فآمنهُ }.
فقال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم-: { هو آمن }.
فخرجت في طلبه، فأدركته باليمن، فجعلت تلمح إليه وتقول: { يا ابن عم، جئتُك من عند أوصل الناس وأبرّ الناس وخير الناس، لا تهلك نفسك }.
فوقف لها حتى أدركته فقالت: { إني قد استأمنتُ لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- }.
قال: { أنتِ فعلتِ ؟}.
قالت: { نعم، أنا كلمتُهُ فأمّنَك }.
فرجع معها.
الإسلام قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً، فلا تسبّوا أباه فإن سبّ الميت يؤذي الحي، ولا تبلغ الميت }.
فلمّا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آمناً على دمه قال له: { مرحباً بالراكب المهاجر أو المسافر }.
فوقف بين يديه ومعه زوجته متنقبة فقال: { يا محمد، إنّ هذه أخبرتني أنك أمّنتني ؟!}.
فقال رسول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم-: { صدقتْ، فأنت آمن }.
قال عكرمة: { فإلام تدعو ؟}.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { أدعو إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتفعل }.
حتى عدّ خصال الإسلام.
فقال عكرمة: { واللـه ما دعوت إلا إلى الحـق، وأمر حسن جميل، قد كنت واللـه فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنتَ أصدقنا حديثاً، وأبرّنا أمانة }.
ثم قال عكرمة: { فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله }.
فسُرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: { يا رسول الله، علّمني خير شيءٍ أقوله }.
قال: { تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله }.
ثم قال: { ثم ماذا ؟}.
قال: { تقول: اللهم إني أشهدك أنّي مهاجر مجاهد }.
فقال عكرمة ذلك.
ثم قال النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-: { ما أنتَ سائلي شيئاً أعطيه أحداً من الناس إلا أعطيتك }.
فقال: { أمّا إني لا أسألك مالاً، إني أكثر قريش مالاً، ولكن أسألك أن تستغفر لي }.
وقال: { كل نفقة أنفقتُها لأصدّ بها عن سبيل اللـه، فوالله لئن طالت بي حياة لأضعفنّ ذلك كله }.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: { اللهم اغفر له كلّ عداوةٍ عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، واغفر له ما نال مني ومن عرضٍ في وجهي أو أنا غائب عنه }.
فقال عكرمة: { رضيتُ يا رسول الله }.
وكان إسلام عكرمة سنة ثمان من الهجرة، فأسلم وكان محمود البلاء في الإسلام، وكان إذا اجتهد في اليمين قال: { لا والذي نجّاني يوم بدر }.
المنام وقيل أن رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- قد رأى في منامه أنه دخل الجنة، فرأى فيها عذقاً مذللاً فأعجبه فقيل: { لمن هذا ؟}.
فقيل: { لأبي جهل }.
فشقّ ذلك عليه وقال: { ما لأبي جهل والجنة ؟ والله لا يدخلها أبداً }.
فلمّا رأى عكرمة أتاه مسلماً تأوّل ذلك العذق عكرمة بن أبي جهل.
الأحياء والأموات وقدم عكرمة المدينة، فجعل كلّما مر بمجلس من مجالس الأنصار قالوا: { هذا ابن أبي جهل }.
فيسبّون أبا جهل، فشكا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال الرسول الكريم: { لا تُؤذوا الأحياء بسبب الأموات }.
وكان عكرمة يضع المصحف على وجهه ويقول: { كلامُ ربي }.
جهاده استعمله أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- على عُمان حين ارتدوا، فقاتلهم وأظفره الله بهم، ولما ندب أبو بكر النّاس لغزو الروم، وقدم الناس فعسكروا بالجُرْفِ -موضع من المدينة نحو الشام- خرج أبو بكر يطوف في معسكرهم، ويقوي الضعيف منهم، فبصر بخباءٍ عظيم، حوله المرابط، ثمانية أفراس ورماح وعـدّة ظاهرة، فانتهى إلى الخبـاء، فإذا خباءُ عكرمة فسلّم عليـه، وجزاه أبو بكر خيـراً، وعرض عليه المعونة، فقال له عكرمة: { أنا غني عنها، معي ألفا دينار، فاصرِفْ معونتك إلى غيري }.
فدعا له أبو بكر بخير.
الشام والشهادة استشهد عكرمة بن أبي جهل في عام 13 هـ في خلافة أبو بكر الصديق يوم (مرج الصُّفَّر).
وقيل في اليرموك سنة (15 هـ) في خلافة عمر، ولم يُعقِب.
فلمّا كان يوم اليرموك نزل فترجّل فقاتل قتالاً شديداً، ولمّا ترجل قال له خالد بن الوليد: { لا تفعل، فإنّ قتلك على المسلمين شديد }.
فقال: { خلّ عني يا خالد، فإنه قد كان لك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابقة، وإني وأبي كنّا مع أشد الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-}.
فمشى حتى قُتِل، فوجدوا به بضعةً وسبعين ما بين ضربة وطعنة ورمية.
وقيل أنه قال يوم اليرموك: { قاتلت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل موطن، وأفر منكم اليوم ؟!}.
ثم نادى: { مَنْ يُبايع على الموت ؟}.
فبايعه الحارث بن هشام في أربع مائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا حتى أثبتوا جميعاً جراحةً وقُتِلوا إلا من نبأ.