إنّ البشر جميعاً من آدم إلى وقتنا الحاضر لم ينعم منهم من أن يمر بهذه الحياة دون تعرضه إلى هذه الآفة العظمية وهي ” الهم ” . وعلى اختلاف أهوائهم ، إلا أنه مطلب واحد هو طرد الهم . فكلّ من الجاهل والعالم والصالح والطالح ، والغني والفقير ؛ لا يسعى إلا لطرد الهم عنه . فالعالم يخاف من يكون أكثر منه علما ، والجاهل يخاف جهله ، والغني يخاف على ماله ، والفقير يخشى فقره ، والمريض يخشى موته ، حواجز الحياة كثيرة عائق لأن ينعم الإنسان في هذه الحياة بالطمأنينة؛ فمن هنا يجب علينا التعرف على أسباب تزيل الهم والغم والقلق التي تراود النفس بين يوم وضحاها .
فحين تفكر في هذه الأمور لا تراها ؛ إلا بما أنعم الله عليه بالإسلام والتوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة ، وإحقاق العبودية له ، والإخلاص لهذه النية والعمل لذلك كوفىء بها في الدنيا والآخرة . قال تعالى : “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97) ” سورة النحل ، فجزاؤه في الدنيا فينشرح صدره وينفتح قلبه وسروره بمعاملة ربه عز وجل ،فطاعته وذكره من أعظم ما يفرح بها المؤمن لقربه لهذا الخالق الذي يعلم أنه سوف لا يحرمه أجر فعله وسوف يأخذ حقه ممن ظلمه ، وعن صبره فيما أصابه ، ورضاه عن ربه ونفسه ، ولا يجازي المسيء الا بضيق صدره وقسوة قلبه وتشتته وظلمه وغمه وهمه وحزنه وخوفه ، وأن آخر أمره جهنم . ومن عاش الدنيا بكل ملذاتها ولم يصبه مكروه لا ينعم بذهاب هذه الدنيا إلا حين موته ، فالموت يقهره تاركاً وراءه ما نعم به فهي ليست لدوام أحد .
إقرأ أيضا:سورة الضحى تجلب لك حبيبك في ثانية يتصل بك ويكلمك فورا أطلقها إلى الآخر وستندهشون من سرعة الإجابةفإلى الباحثين عن السعادة الحقيقية والطريق اليها ، إلى من امتلأت بهم المستشفيات النفسية طلباً للعلاج ، إلى الذين ظنوا أنّ السعادة في جمع المال ، إلى الذين سعوا إلى المناصب ، إلى الذين سعوا إلى العشق والحرام ، فلنعش هذه الدنيا كما أرادها الله لنا بالإيمان والعمل الصالح محققين أعلى المراتب ، لكن بمنهج الله وكما أمرنا، فمنهجه واضح وجلي ، فالمؤمن القوي خير عند الله من المؤمن الضعيف.
وكما أن الاحسان إلى الخلق بالقول والفعل ، وأنواع المعروف كلها أبواب خير لك ولها نصيب في درء الهم. وأن تقوم بعمل منتج لا تضيع الوقت دون عمل فالعمل عبادة لله ويزيل همه أو علم من العلوم تنفع بها نفسك أو غيرك. وإعلم أن الله قد طلب منك عبادة يومك الذي أنت فيه ، ولم يطلب منك علم غدك فأعمل ليومك الذي أنت فيه ، ولا تقلق لمستقبلك فهو بيد الخالق، ولا تجزع للأمس فلا يرجعه لك سوى الله .
فلا تقلق إلّا بنجاح يومك فهنا ترضى وتهدأ وتعلم أنّ أمرك كله لله ، وتؤمن بقضائه وقدره، وتسلم بذلك وأكثر بذكر الله فلها تأثير عجيب. قال تعالى: ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب”، وأذكر لنعم الله التي أنعمها عليك حتى تتذكر أنك أخدت الكثير فلا تكثر الطلب، ودع الأشياء المرّة في حياتك وتذكر النعم، حتى تتحلى بالصبر على قلة ما عندك. وكما عليك السعي وراء الأشياء الموجبه للسرور، وأبعد نفسك عن الهموم؛ لتنسى ما مضى من المتاعب ، فإن انشغالك بها لا يرد عليك الا بالحمق والجنون؛ فجاهد نفسك وقلقها من الفقر والمرض والموت.
إقرأ أيضا:فوائد دعاء من سورة الكهففليعلم الإنسان أنّ الأمور المستقبلية مجهولة وكلها بيد الخالق إذا أحبه أخرجه من الضيق وفرّج همه، وعلى من أصابه هم أن يسعى الى تخفيفها لأن مع العسر يسرا فهما يخرجان معاً، فكم من الأوقات المعسرة لا يأتي معها إلا الفرج العظيم.
فقوّي قلبك وإيمانك بالله، ولا تقلق نفسك بالأوهام والخيالات والأفكار السيئة، ولا تنزعج من الحوادث فلك ربٌ لن يضيعك ولن ينساك وتوكل عليه وحقق إيمانك السليم، وقوي عزيمتك وتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.