يعتقد العديد من علماء الفسيولوجيا العصبية أن واقع الإنسان مخزن في عقله بطريقة ما على شكل صور أو مقاطع تكونت لديه بسبب الحواس الخمس ( البصر- السمع- اللمس- التذوق- الشم)، ولذلك فان الوعي الذي ينبع من داخل الإنسان هو الذي له القدرة على التغيير.
وحين نعطي لأنفسنا الفرصة لاستخدام خيالنا فنحن من دون ان ندري نوجه انتباهنا للأشياء الإيجابية التي نستطيع أن نفعلها لأنفسنا، مثل تناول الأغذية الصحية وممارسة الرياضة، تلك الأمور التي تحسن من حالتنا الصحية، وبالتالي تساعد على الشفاء.والسؤال الأهم هنا ما المقصود بالتخّيل التفاعلي؟ يحتاج الأمر لقليل من الإيضاح، فالعلاج بالتخيل التفاعلي يعتمد على تحفيز مخيلتك بواسطة شخص مؤهل للقيام بذلك لاستخدام الصور المخزونة في ذاكرتك من الاحداث والخبرات التي مرت بك طوال حياتك، لتساعدك على الشفاء والتحسن في جميع مجالات حياتك. و يسمى “بالتفاعلي” لأن هذا التخيل يتم نتيجة لتفاعلك وحوارك مع شخص آخر (معالجك) لتحفيز ظهور تلك الصور في مخيلتك وتوجيهك لاستخدامها بطريقة تفيد حالتك الصحية.
ولكن كيف تكون قدرتك علي التخّيل هي وسيلة تستطيع بها أن تتفاعل مع المرض؟!
إن الأمر في غاية البساطة، فقدرتك على رسم صورة في مخيلتك لمرضك أو لأي مشكلة تعانين منها تساعدك على التقرّب من تلك المشكلة بل وتجسيدها والوصول لمكمنها وبالتالي تكونين الأقدر على التعامل معها والسيطرة عليها.
إقرأ أيضا:كيف أعرف أني مريض نفسياًويقدم لنا العلم كل يوم العديد من الأمثلة لحالات استطاعت بخيالها أن تتفاعل مع مرضها ونجحت في التعايش معه أو في القضاء عليه. فمثلا حين طلب من سيدة في الثلاثين من عمرها كانت تعاني من أورام في الثدي أن ترسم صورة في ذهنها للشكل الذي تتخيله للورم ما كان منها إلا أن أجابت أنها تتخيل هذا الورم كصخور صغيرة تعيق مجرى هادئ للمياه. وحين طلب منها الاقتراب أكثر و أكثر من صورة تلك الصخور استطاعت أن تصف كم أن هذه الضخور صغيرة، ناعمة وبراقة وتشبه اللؤلؤ كثيراً. واستطاعت تلك السيدة أن تربط في مخيلتها بين تكوين اللآلئ في أصدافها وبين تراكم الأورام في جسمها. و كما يتكون اللؤلؤ في الأصداف نتيجة لتهيج في الأنسجة الداخلية لتلك الأصداف يتكون الورم الحميد في ثدييها نتيجة لتهيج في الانسجة الداخلية لجسمها. وبدأت تلك السيدة في التغيير الجذري لنمط حياتها واتبعت نظامًا غذائيًا صحيًا وحاولت الابتعاد قدر المستطاع عن الضغوط اليومية والسهر وشرب المنبهات، وكانت المفاجأة انها شفيت تماما من تلك الاورام بعد عدة شهور!
ومثالًا آخر نقدّمه لرجل في العقد الخامس من العمر يعاني حديثًاً من مرض السكري لا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يتقبل نظام حياته الجديد الذي يفرضه عليه هذا المرض من تناول أدوية السكري والابتعاد عن النشويات والسكريات قدر المستطاع. طلب من هذا الرجل ان يتخيل صورة لمرضه فأجاب بأنه يرى هذا المرض كأنه كرة مربوطة بسلسلة حول كاحله، و أعرب أنه يشعر بالغضب الشديد بل والكره لتلك الكرة التي تكبل حريته وتعيق حركته. وحين طلب منه الإقتراب أكثر من الكرة وجد بمخيلته ان تلك الكرة لها وجه تظهر عليه علامات التعاسة، وحين طلب منه أن يحاول في مخيلته أن يجري معها حوار بطريقة ما، قال إنه يتخيل أنها حزينة لما تسببه له وأنها لا تقصد ذلك ولكنها فقط تحتاج إلى مزيد من الرعاية. وراح يشعر بالشفقة والتعاطف مع تلك الكرة ومع الوقت بدأت صورة الكرة المربوطة في السلسلة تتحول تدريجيا في مخيلته إلي صورة “كلب صغير” مربوط بطوق ويحتاج للرعاية. و هكذا بدأ الرجل بالعناية بنفسه من خلال رعايته لصديقه الجديد الصغير، وبدأت حالته الصحية بالتحسن حيث دأب على ممارسة الرياضة بصورة منتظمه وخسر وزنه الزائد وانتظم في تناول علاجه، و حين سئل عن شعوره قال إنه يعيش أسعد أيام حياته.
إقرأ أيضا:ثقافة الذاتلذلك أصبح العلاج بتحفيز التخيل بطريقة تفاعلية من أحدث الطرق الآن للعلاج و اقدرها فاعلية حيث يحسن ثقة المرء بنفسه ويعطيه السطوة والسيطرة على جوانب نفسه.