كان المريضان يقضيان وقتهما في الكلام دون أن يرى أحدهما الآخر لأن كلاً منهما كان مستلقياً على ظهره ناظراً إلى السقف تحدثا عن أهليهما.. بيتيهما.. حياتهما .. كل شيء وفي كل يوم بعد العصر كان الأول يجلس في سريره حسب أوامر الطبيب ينظر في النافذة واصفاً لصاحبه العالم الخارجي ، وكان الآخر ينتظر هذه الساعة كما ينتظرها الأول لأنها تجعل حياته مفعمة بالحيوية وهو يستمع لوصف صاحبه للحياة في الخارج.
وكان الرجل يقول لصاحبه في الحديقة هناك بحيرة كبيرة يسبح فيها البط والأولاد صنعوا زوارق من مواد مختلفة وأخذوا يلعبون فيها داخل الماء ، وهناك رجل يؤجِّر المراكب الصغيرة للناس يبحرون بها في البحيرة والنساء قد أدخلت كل منهن ذراعها في ذراع زوجها والجميع يتمشى حول حافة البحيرة ..وآخرون جلسوا في ظلال الأشجار أو بجانب الزهور ذات الألوان الجذابة .. ومنظر السماء كان بديعاً يسر الناظرين.
وفيما يقوم الأول بعملية الوصف ينصت الآخر في ذهول لهذا الوصف الدقيق الرائع .. ثم يغمض عينيه ويبدأ في تصور ذلك المنظر البديع للحياة خارج المستشفى وفي أحد الأيام وصف له عرضاً عسكرياً ورغم أنه لم يسمع عزف الفرقة الموسيقية .. إلا أنه كان يراها بعيني عقله من خلال وصف صاحبه لها.
إقرأ أيضا:أجمل قصائد حامد زيدولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلال حديث الممرضة عبر الهاتف وهي تطلب المساعدة لإخراجه من الغرفة، فحزن على صاحبه أشد الحزن وعندما وجد الفرصة مناسبة طلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النافذة .. ولم يكن هناك مانع فأجيب طلبه ولما حانت ساعة بعد العصر تذكر الحديث الشيق الذي كان يتحفه به صاحبه انتحب لفقده وطلب بشدة من الطبيب أن يسمح له بأن ينهض مرة واحدة كل يوم لينظر من النافذة فوافق له تعاطفاً معه.