قصة شمويل عليه السلام، الذي يسمى «شمعون»، وتعني إسماعيل، وهو غير نبي الله إسماعيل ابن إبراهيم عليهما السلام.
تبدأ أحداث القصة بعد تتابع الأنبياء على بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام في فلسطين، وانفصال النبوة عن الحكم، نتيجة تجبر الملوك الذين انتشر فيهم الفجور والفسق، والظلم والاستعباد، وصارت سنتهم قتل الأنبياء، فكلما أرسل لهم نبي قتلوه، وأصبح بنو إسرائيل في ذلة، وكثرت فيهم الحروب والقتل والهزائم، وكانوا يحملون في كل قتال تابوتاً وضعت فيه بقايا أثر موسى عليه السلام، مثل ألواح التوراة،.
والعصا، وشيء من أثر هارون عليه السلام، فكانوا كلما ضعفوا رأوا ذلك التابوت، ليتقوّوا به، ويشدوا عزائمهم، وعندما كان قتالهم مع «قبيلة العماليق»، الذين كانوا ضخام البنية، هُزموا هزيمة نكراء، وقتل منهم خلق كثير، وأُخذوا التابوت، حتى أمسوا مشردين ضعفاء أذلاء، فأخذ الصالحون فيهم يدعون الله تعالى أن يلم شملهم، ويجمع كلمتهم، إلى أن أرسل الله إليهم النبي شمويل.
طالوت تولى القيادة بإرادة الله :
وعندما جاءهم شمويل عليه السلام، بدأ يدعوهم إلى العودة إلى الله تعالى، والاستغفار عما كان منهم من العصيان وقتل الأنبياء، فرجعوا تائبين، وبدأ يلم شملهم وشعثهم بعد الضعف والشتات الذي أصابهم، وسألوه أن يجعل عليهم ملكاً، وأن يكتب الله تعالى عليهم الجهاد ليقاتلوا الملوك الظلمة، ويرجعوا إلى أرض فلسطين، بعد ما طردوا منها، لكن نبي الله تعالى خشي أن ينكثوا أمر الله، إذا استجاب لهم، إذ قال:
{هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا}، {قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}، فدعا عليه السلام ربه أن يفرض القتال عليهم، ففرض، وجعل عليهم رجلاً يقال له طالوت، وقد كان كبير الجثة، نير العقل من ذرية بنيامين، وكان يعمل في دباغة الجلود، إلا أنهم رفضوا حكمه، لأنه فقير.
ولكونه من ذرية بنيامين، وقالوا{أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ}، فبين لهم نبيهم أن هذه إرادة الله تعالى، وليس من اختياره هو، وقال عليه السلام: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ، وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ. وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، فرفض بنو إسرائيل أمر الله تعالى غروراً واستكباراً أن يحكمهم رجل من عامة الناس.
شمويل والمعجزة :
ولكي يجمع شمويل عليه السلام كلمة بني إسرائيل، ويثبت لهم أن اختيار طالوت مَلِكاً عليهم جاء بأمر الله، أتاهم بمعجزة، وهي نزول تابوت موسى الذي أخذه العماليق، من السماء، فلما رأوه أيقنوا ذلك، ورضوا بطالوت ملكاً، قبل أن يتجهزوا للقتال تحت إمرته ومرافقته، وقيل إنهم كانوا في تلك الأثناء أكثر من 80 ألف مقاتل، وخرجوا للجهاد برفقة شمويل عليه السلام، ولما طال بهم المسير نحو القتال،.
واشتد عليهم العطش، أوحى الله تعالى لنبيه بأنه سبحانه سيختبر صبرهم وصدقهم، فبلّغ عليه السلام ذلك لطالوت الذي أخبرهم: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}- ذُكر أن هذا النهر يقع بين فلسطين والأردن بما يعرف بنهر الشريعة-، وبين لهم أن المسموح في الشرب من هذا النهر هو فقط الاغتراف غرفة واحدة.
وأن هذا الأمر ابتلاء واختبار من الله تعالى ليحذروا من الشرب منه، ويتجاوزوه إلى غيره، امتثالاً لأمر الله، ونجاحاً في هذا الابتلاء، لكنهم مع كل ذلك التنبيه، ومع ما رأوا من إنعام الله تعالى عليهم بجمع الكلمة بعد الفرقة والبلاء، كفروا بنعم الله تعالى، وعصوا أمره، فشرب أكثر الجيش من النهر، ولم يمتثل سوى 300 وبضعة عشر جندياً فقط، وهو عدد يقارب عدد المسلمين في غزوة بدر، وقيل إن الذين تجاوزوا النهر مع طالوت، هم 4 آلاف مقاتل فقط، رجع منهم 3 آلاف و700 جندياً عندما رأوا جيش العدو، وبقي 300.
وفي تلك المواقف التي يبتلي الله تعالى بها بني إسرائيل عبرة يتعلمها الإنسان من أن الله تعالى لا يظلم الناس، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فما كان من قتل وتشريد وضعف في بني إسرائيل سببه عصيانهم وذنوبهم وبعدهم عن الله تعالى، وافتراؤهم على أنبيائهم بالتكذيب والسخرية والاستهزاء والقتل، وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وهو سبحانه لا يغير حال قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الجيش والخوف من الهزيمة :
لما تجاوز طالوت ومن بقي معه النهر، وصلوا إلى جيش العدو بقيادة رجل يقال له جالوت، وكان معه 100 ألف مقاتل، أصابوا جيش طالوت بالذعر والإحباط من مجابهتهم، فكيف يستطيعون ملاقاة جيش كامل قوامه 100 ألف مقاتل، وهم 300 رجل، بينما مُنع أكثر من 79 ألف جندي من القتال لفشلهم في امتحان الله تعالى لهم! لكن علماءهم حثوهم على الجهاد، وذكروهم بأن هذه الجيوش والأعداد إنما هي أسباب، وأن النصر الحقيقي بيد الله تعالى.
فمن أراد النصر فعليه أن يثق بالله تعالى ويعتمد عليه، ثم يأخذ بالأسباب المعينة عليه، ثم إن الله هو الموفق لما فيه الصلاح، لذلك نعتهم الله تعالى في كتابه بأجمل الأوصاف فقال:
{قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، فوصف درجة ثقتهم بتوفيق الله باليقين، بأنه معهم، وأنهم ملاقوه سبحانه، وهو ما بينه النبي، صلى الله عليه، بأعلى درجات الإيمان، بأن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وفي قوله صلى الله عليه وسلم يوصي ابن عباس رضي الله عنه: (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ،
احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ)، فثبت بنو إسرائيل مع طالوت، وواجهوا جيش جالوت.