شخصيات

عبد السلام عارف

عبد السلام عارف

تناوب على حكم العراق العديد من الطغاة الجميع على المام بهم. هنالك الكثير من الكتاب و النقاد يعرفون عبد السلام عارف الذي حكم العراق من 1963 حتى نيسان 1966 بانه من الرعيل التي تأثر بجمال عبد الناصر ، حاله حال معمر القذافي الذي انتهى امره . وصل عبد الناصر على مقعد السلطة و وافته المنية قبل ان يثور عليه الشعب المصري رغم انه دمر بلده تدميراً لا يقبل الجدال و هكذا الامر مع جميع طغاة العالم العربي من رؤساء جمهورية او ملوك يتوارثون مقعد السلطة تحت شعار الانتساب للرسول الكريم او باسم القبيلة الاقوى.

وصل عبد السلام عارف الى الحكم و اصبح رئيساً للعراق و عمره 42 عاماً. من الصعب التحقيق في الحقائق التاريخية حول دوره في انقلاب 1958 و طبيعة علاقته بعبد الكريم قاسم. حاولت المصادر تبرئته من مجزرة العائلة الملكية و اعدام عبد الكريم قاسم الصوري. تحالف مع حزب البعث للوصول الى السلطة في 8 شباط و نجح في تصفيتهم بعد تسعة أشهر و اصبح رئيس الجمهورية المطلق. كان حاله حال الكثير من ضباط الجيش العراقي الذي يميلون نحو الوحدة العربية و تأكيد الهوية القومية العربية للعراق رغم خصوصية البلد السكانية.

لعب الجيش العراقي دوره السياسي المدمر في تاريخ العراق منذ ايام بكر صدقي و استمر الحال حتى تم حل الجيش العراقي بمرسوم امريكي في بداية الالفية الثالثة. لم يكن دور الجيش العراقي يختلف عن دور الجيوش العربية الاخرى في الادوار التدميرية للبنية التحتية و الفكرية لمعظم البلاد العربية التي يسكنها و يدير اعمالها مواطنين من البلد نفسه و ليس عمال أجانب كما هو الحال في أقطار الخليج العربي.

إقرأ أيضا:كيفية تطوير الشخصية

حاول عارف و نجح في ارضاء اهل السنة و الشيعة من المسلمين بتخلصه من تشريعات معارضة للإسلام ايام عبد الكريم قاسم ، و لكنه سرعان ما فقد تأييدهم بإصداره قوانين التأميم .كان عبد السلام عارف معجباً بقوة سلطة الحكومة الناصرية و حاول تقليدها و قام بتأميم البنوك و المصانع و شركات التأميم في تموز 1964 و لم يأخذ بنظر الاعتبار بان ما لا يقل عن الثلث من الانتاج الكلي المحلي للعراق هو من النفط و الذي كان ما يزال تحت سيطرة أجنبية. لم يكتفي عبد السلام عارف بذلك و لكنه كرر التعبير عن طموحه في بناء دولة قوية في العراق على غرار مصر و بعدها تتم الوحدة بين البلدين.

سرعان ما انتبه عارف بان العراق غير مصر بعد تجدد الاشتباكات في كردستان و نهاية الهدنة التي تم التوقيع عليها في شباط 1964. لم يكن العامل القومي هو الوحيد في فشل الهدنة و لكن قوانين التأميم لم تكن ملائمة لواقع الاقتصاد الكردي و لم تحظى بتأييد الملا مصطفى البارزاني الذي كان الرجل الاقوى رغم انشاق البعض عنه و التي كانت ميولهم اشتراكية اممية.

حاول حزب البعث القيام بحركة انقلابية في أيلول 1964 و فشل في مسعاه، و ارسلت مصر قوات الى العراق ايامها لمساندة عارف و ارتفع زخم الاتجاه الناصري رغم ان هذا الاتجاه كانت تقوده مصالح شخصية اقوى بكثير من افكار عقائدية. مع حلول الشتاء انتهت الهدنة مع الاكراد بصورة تامة بعد ما تعاظم تأثير القوانين الاشتراكية على كردستان و تزايد البطالة و الركود الاقتصادي. في عين الوقت كانت المفاوضات مستمرة مع شركة النفط العراقية لتعديل قانون رقم 80 حول محصول الدولة من إيرادات النفط و حقوق التنقيب، و تم الاتفاق في شباط 1965 الذي ادى الى زيادة واردات الدولة المادية و لكن على حساب توسيع عمليات التنقيب للشركة. أعترض الناصريون على الاتفاق و استقال ستة اعضاء من الوزارة و ما كان من عارف الا المضي قدما في احتواء الازمة و تعيين الناصري عارف عبد الرزاق رئيساً للوزراء و الدفاع ملقياً عليه عبأ الحرب الكردية و ترضية  اتباع الاتجاه الناصري  . ما هي الا اشهر و اذا بعارف عبد الرزاق يتامر على عارف اثناء غياب الاخير خارج البلد، و لكن الانقلاب فشل بفضل جهود الحرس الجمهوري و فر عارف و زملائه خارج العراق.

إقرأ أيضا:قد يساعد “غاز الضحك” في علاج الاكتئاب الشديد

تعلم عبد السلام عارف لعبة البقاء في الحكم و لم يكن موهماً بأفكار الوحدة العربية و لا بقدرة الادارة المدنية في العراق في قيادة البلد بعيداً عن أطماع ضباط الجيش العراقي. أدرك ان التآمر مرضاً وبائياً في صفوف الجيش العراقي و ان لا سبيل للاحتفاظ بالسلطة الا بالرجوع الى قواعد التركيب الاجتماعي العراقي، و التي يشاركه فيها بقية الاقطار العربية. تتصف هذه التركيبة الاجتماعية بانها:

1 ان ادارة و قيادة المجموعات البشرية تعتمد على الطريقة الابوية و سلطته المطلقة Patriarchy.

2 يعتمد الفرد على مساندة الاخرين على الرعاية و المناصرة المتبدلة، او بعبارة اخرى المحسوبية او يطلق عليها بالعامية العراقية الواسطة Patronage.

3 أن النظام الاجتماعي نظام و راثي ابوي Patrimonial فالابن يرث اباه في كل شيء. غير الاسلام ذلك الى حد ما ولكن بدون جدوى.

تبين لعارف انه لا سبيل الا الى الرجوع الى القواعد الثلاثة الاخيرة التي كان يعمل بها النظام الملكي. تم تقوية الحرس الجمهوري و بدأ عارف يعتمد على عشيرته الجميلة اخذا بنظر الاعتبار ان تأييدهم له لا يتعلق بالاتجاه او الفكر السياسي و انما بصلة القربى و الدم. بعدها رجع عارف الى سياسة قاسم و هي العراق أولاً و اتخذ خطوة اثبتت قوته في السيطرة على زمام الامر و تم تعيين اول مدني خبير لإدارة شؤون الدولة بعيداً عن اهل السياسة و الجيش، و هو المرحوم عبد الرحمن البزاز. أنتهى امر التأميم و رجع الاقتصاد العراقي الى النمو و كانت نية المرحوم اقامة دولة عراقية برلمانية لا تختلف عن النظام السياسي البرلماني في أوربا الغربية. كان اول من صرح علانية بحقوق الاكراد ووصل الى اتفاق مع الملا مصطفى، و أصبح البزاز رمزاً للأمل و الازدهار لأهل العراق، و لكن ريح القدر لم تترك العراق و رحل الرجل القوي عبد السلام عارف في نيسان 1966 فجأة. أخذ النظام الوراثي مفعوله ثانية و تم تعيين عبد الرحمن عارف رئيساً للجمهورية . كان عبد الرحمن رجلاً ضعيفاً لم يتعلم قواعد اللعبة التي اتقنها عبد السلام و اقال البزاز تحت ضغط العسكر و عادت الحرب في كردستان و بدأ تدمير العراق ثانية و انتهى الامر بوصول العسكر مجدداً الى السلطة تحت راية حزب البعث في 1968 و انتهى تدمير العراق كلياً في عام 2003 بفضل جهود الجيش العراقي.

إقرأ أيضا:قد يكون لدى الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الصفات الثلاث المخيفة أحد أنواع الشخصية “الثالوث المظلم”

تعلم عبد السلام عارف من تجربته القصيرة بسرعة و ادرك اللعبة القبلية و قواعد التركيبة الاجتماعية للعراق. لكنه في عين الوقت كان حريصاً على نهضة العراق و ادرك بانه لم يمتلك القدرة و العلم للنهوض بالبلد اجتماعياً و سياسياً و اقتصاديا و كان لا بد من الاستعانة بالخبراء للقيام بذلك و احتواء العسكر ضمن قواعد اللعبة الاجتماعية القبلية.

تطور عارف شخصياً أثناء فترة حكمه القصيرة و ادرك ان التراجع عن العلاقات العاطفية السياسية المثالية هي من اهم وظائف التطور البشري المعرفي و الواقعي . بعبارة اخرى ان الانسان لا بد من يدرك بان التطور المعرفي الصحي لا يمكن ان يحدث الا اذا تم رفض بعض الافكار المثالية التي لا تمت بصلة الى الواقع والتي تؤثر على الفرد في احدى مراحل حياته. كان عارف على معرفة بالبعد التأمري و النرجسي للجيش العراقي و استعان بالقاعدة القبلية للسيطرة على زمام الامور. هجر المثالية الاشتراكية و الناصرية و توجه نحو بناء العراق و كان على علم انه لا يملك القدرة لعمل ذلك و اعطى الخبراء الصلاحية للقيادة رغم انف العسكر. و لكن الدهر لم يرحم العراق و اختطف عارف قبل أوانه.

السابق
عبد الكريم قاسم بين جدار برلين و جدران العراق
التالي
مولانا الرومي