إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله

إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير ايه: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله

قال عزوجل في محكم كتابه الكريم
((وَأَنكِحُواْ الاَْيَـامَى مِنكُمْ وَالصَّـالحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَيَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ))33 سورة النور

طرحت هذه الآية سبلا أمينةً متعدّدةً للحيلولة دون الإنحطاط الخلقي والفساد، فكلّ واحد من هذه السبل يرتقي بالأُمَّة فَرداً وجماعةً إلى عالم أرحب من الطّهر والإستقامة، ويحول دون تقهقرها أو انحدارها في مهاوي الرّذيلة، وقد أشارت الآيات ـ موضع البحث ـ إلى أهم طرق مكافحة الفحشاء، ألا وهو الزواج اليسير الذي يتمّ بعيداً عن أجواء الرياء والبذخ، لأنّ إشباع الغرائز بشكل سليم وشرعي خير سبيل لاقتلاع جذور الذنوب، أو بعبارة أُخرى: كل مكافحة سلبية لابدّ أن ترافقها مكافحة إبجابية.
لهذا تقول بداية الآية موضع البحث: (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائِكم).
و«الأيامى» جمع «أيِّم» على وزن «قيِّم» وتعني في الأصل على المرأة التي لا زوج لها، وكذلك تطلق هذه الكلمة على الرجل الذي لا زوجة له، فيدخل في هذا المفهوم كلّ من ليس له زوج، سواء كان بكراً أم ثيّباً.
وردعن صاحب تفسير الميزان قوله (والأيامى جمع أّيِّم بفتح الهمزة وكسر الياء المشددة وقد يقال في المرأة أّّيِّمة، والمراد بالصالحين الصالحون للتزويج لا الصالحون في الأعمال).
وورد في تفسير القمي أما قوله: ( وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } فكانوا في الجاهلية لا ينكحون الأيامى فأمر الله المسلمين أن ينكحوا الأيامى)انتهى
وعبارة «أنكحوا» أي «زوّجوا» ـ وبما أنَّ الزواج يتمّ بالتراضي وحرية الإختيار الطرفين، فالمراد من هذا الأمر بالتزويج التمهيد للزواج، عن طريق تقديم العون المالي عند الحاجة، أو العثور على زوجة مناسبة، أو التشجيع على الزواج والإستفادة من وساطة الأشخاص لحلّ المشاكل المستجدة.
وباختصار: إنّ مفهوم الآية واسع، حتى أنَّهُ ليضم كلّ خطوة وحديث في هذا المجال. ولا اختلاف في أنَّ أصل التعاون الإِسلامي يوجب تقديم العون من قبل المسلمين بعضهم لبعض.
وجاء ذلك هنا بصراحة ليؤكّد أهميّة الزواج الخاصّة. وهي أهميّةٌ بالغة المدى، إذ ورد حديث بصددها عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) قوله: «أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما»
وجاء في حديث آخر عن الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) قوله: «ثلاثة يستظلون بظلّ عرش الله يوم القيامة، يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، رجل زوّج أخاه المسلم، أو خدمه، أو كتم له سرّاً»
كما جاء في حديث عن الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) قوله في الذي يسعى لزواج أخيه المسلم
«كان له بكلّ خطوة خطاها، أو بكلّ كلمة تكلم بها في ذلك عمل سنة قيام ليلها وصيام نهارها».
وبما أنّ بعض الإعذار كالفقر أو عدم وجود وتوفّر الإمكانات اللازمة قد تقف حائلا دون الزواج، أو هو عذر للفرار من الزواج وتشكيل الأُسرة. يقول القرآن بهذا الصدد: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله إن الله واسع عليم).
وعد جميل بالغنى وسعة الرزق وقد أكده بقوله: { والله واسع عليم } والرزق يتبع صلاحية المرزوق بمشية من الله سبحانه،
إنّ قدرة الله واسعة سعة تشمل عالم الوجود كلّه، وعلمه واسع يحيط بما خفي وبما ظهر من المقاصد والأفعال، خاصّة الذين يقدمون على الزواج ابتغاء المحافظة على عفتهم وطهارتهم، وبهذا يشمل الله الجميع بفضله وكرمه
ولكن أحياناً بالرغم من بذل الجميع جهودهم لتهيئة مستلزمات زواج إنسان ما لا يفلحون في ذلك، ممّا يضطره إلى مضي فترة من الزمن محروماً من الزواج، ولكي لا يظنّ أن إقدامه على الفساد أمراً مباحاً تقتضيه الضرورة أسرعت الآية التالية لتأمره بالطهارة والعفّة فقالت: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله).
فيجب عليه تجنّب التلوث والفساد في هذه المرحلة المتأزّمة ومواجهة الامتحان الإِلهي، حيث لا يقبل أي عذر منه، فلابدّ أن يمتحن قوّة إيمانه وشخصيته وتقواه في هذه المرحلة.
الاستعفاف والتعفف قريبا المعنى، والمراد بعدم وجدان النكاح عدم القدرة على المهر والنفقة، ومعنى الآية الأمر بالتعفف لمن لا يقدر على النكاح والتحرز عن الوقوع في الزنا حتى يغنيه الله من فضله
والسبب في التأكيد على الزواج، هو أنّ المرء يشعر بعد زواجه بمسؤوليته في الحياة، فيزج قواه للكسب الحلال. بينما نجد العزاب في معظم الحالات مشردين! لعدم شعورهم بالمسؤولية. والمتزوج يكتسب شخصية إجتماعية، حيث يجد نفسه مسؤولا عن المحافظة على زوجته، وماء وجه أُسرته، وتأمين حياة سعيدة ومستقبل زاهر لها. ويستغلّ المتزوج جميع طاقاته للحصول على دخل معتبر، فتراه يقتصد في نفقاته ليتغلّب على الفقر بأسرع وقت ممكن، لهذا ذكر الإمام الصادق(عليه السلام)
«الرزق مع النساء والعيال»
جاء في حديث للرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) حين شكا رجل إليه فقره فأجابه(صلى الله عليه وآله وسلم):
«تزوّج». فتزوّج فوسع له.
ولا جدال في أنَّ الإمدادات الإِلهية والقوى الروحية الخفية تساعد هذا الشخص الذي تزوج ليحفظ نفسه ويطهرها. وعلى كلّ مؤمن أن يطمئن لما وعده الله، فقد ذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد ساء ظنّه بالله، إن الله عزَّوجلّ يقول: (أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)
ـ المراد من عبارة (والصالحين من عبادكم وإمائكم).
ممّا يلفت النظر في الآيات موضع البحث أنّها حين التحدّث عن زواج الرجال والنساء الأيامي تأمر بالتعجيل في الزواج، وعدم وضع العراقيل في وجهه، أمّا بالنسبة للعبيد والجوارى، فتطلب توفر شرط الصلاح فيهم للزواج.
وذهب عدد من المفسّرين (كالكاتب العظيم صاحب تفسير الميزان، وكذلك صاحب تفسير الصافي) إلى صلاحيتهم للزواج في حين أن هذا الشرط يجب أن يتوفر في النساء والرجال الأحرار أيضاً.
وقال البعض الآخر: إنّه يقصد الصلاح من ناحية الأخلاق والعقيدة، لأنّ الصالحين يتمتعون بمكانة خاصّة من هذه الجهة، ولكن السؤال يبقى على حاله:
لماذا لم يرد هذا الشرط في الاحرار؟
ويحتمل أن يكون المراد غير هذا: ـ إذ أنّ أكثر العبيد في تلك الفترة في مستوى ثقافي وأخلاقي واطيء، فلا يشعرون بأيّة مسؤولية، ولا يُقدرون المشاعر المشتركة في الحياة. فلو تزوجوا لتركوا زوجاتهم بسهولة، ومن هنا استوجبت الآية التأكد من صلاحيتهم للزواج
ومفهوم هذه الآية أن يعدّوا العبيد للزواج أوّلا بتهذيب أخلاقهم وزيادة صلاحهم، ليكونوا بمستوى المسؤولية التي تقع على عاتقهم بعد الزواج

إغلاق
error: Content is protected !!