قصة العلاء بن الحضرمي

قصة العلاء بن الحضرمي

التعريف به ونسبه

العلاء بن الحضرمي -واسم الحضرمي عبد الله- بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن عويف بن مالك بن الخزرج بن أبي بن الصدف[1].

ولا يختلفون أنه من حضرموت حليف حرب بن أمية ولاه النبي البحرين،  وتوفي النبي وهو عليها فأقره أبو بكر خلافته كلها ثم أقره عمر وتوفي في خلافة عمر سنة أربع عشرة[2].

فكره العسكري

المباغتة ويظهر مبدأ المباغتة في غزوه للبحرين في حروب الردة فقد باغت أهل البحرين بعد أن وصل إليه الخبر بأنهم سكارى فاغتنم هذه الفرصة ليسجل نصراً عظيماً عليهم.

أهم المعارك ودوره فيها غزو البحرين

بعث الصديق العلاء بن الحضرمي إلى البحرين فلما دنا منها جاء إليه ثمامة بن أثال في محفل كبير وجاء كل أمراء تلك النواحي فانضافوا إلى جيش العلاء بن الحضرمي فأكرمهم العلاء وترحب بهم وأحسن إليهم وقد كان العلاء من سادات الصحابة العلماء العباد مجابي الدعوة اتفق له في هذه الغزوة أنه نزل منزلا فلم يستقر الناس على الأرض حتى نفرت الإبل بما عليها من زاد الجيش وخيامهم وشرابهم وبقوا على الأرض ليس معهم شيء سوى ثيابهم وذلك ليلا ولم يقدروا منها على بعير واحد فركب الناس من الهم والغم ما لا يحد ولا يوصف وجعل بعضهم يوصي إلى بعض فنادى منادي العلاء فاجتمع الناس إليه فقال:

أيها الناس ألستم المسلمين؟ ألستم في سبيل الله؟ ألستم أنصار الله؟ قالوا: بلى.

قال: فأبشروا، فوالله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم.

ونودي بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بالناس فلما قضى الصلاة جثا على ركبتيه وجثا الناس ونصب في الدعاء ورفع يديه وفعل الناس مثله حتى طلعت الشمس وجعل الناس ينظرون إلى سراب الشمس يلمع مرة بعد أخرى وهو يجتهد في الدعاء فلما بلغ الثالثة إذا قد خلق الله إلى جانبهم غديرا عظيما من الماء القراح فمشى ومشى الناس إليه فشربوا واغتسلوا فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل من كل فج بما عليها لم يفقد الناس من أمتعتهم سلكا فسقوا الإبل عللا بعد نهل فكان هذا مما عاين الناس من آيات الله بهذه السرية ثم لما اقترب من جيوش المرتدة وقد حشدوا وجمعوا خلقا عظيما نزل ونزلوا وباتوا متجاورين في المنازل.

فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتًا عالية في جيش المرتدين فقال:

هل من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء، فقام عبد الله بن حذف فدخل فيهم فوجدهم سكارى لا يعقلون من الشراب، فرجع إليه فأخبره؛ فركب العلاء من فوره والجيش معه فقتلوهم قتلا عظيما، وقلَّ من هرب منهم، واستولى على جميع أموالهم وحواصلهم وأثقالهم فكانت غنيمة عظيمة جسيمة.

ثم شرع العلاء بن الحضرمي في قسم الغنيمة ونقل الأثقال وفرغ من ذلك وقال للمسلمين: اذهبوا بنا إلى دارين لنغزو من بها من الأعداء، فأجابوا إلى ذلك سريعا.

فسار بهم حتى أتى ساحل البحر ليركبوا في السفن، فرأى أن الشقة بعيدة لا يصلون إليهم في السفن حتى يذهب أعداء الله فاقتحم البحر بفرسه وهو يقول:

يا ارحم الراحمين يا حكيم يا كريم يا أحد يا صمد يا محيي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت يا ربنا .. وأمر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا ففعلوا ذلك فأجاز بهم الخليج بأذن الله يمشون على مثل رملة دمثة فوقها ماء لا يغمر أخفاف الإبل ولا يصل إلى ركب الخيل ومسيرته للسفن يوم وليلة فقطعه إلى الساحل الآخر فقاتل عدوه وقهرهم واحتاز غنائمهم ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر فعاد إلى موضعه الأول وذلك كله في يوم ولم يترك من العدو مخبرا، واستاق الذراري والأنعام والأموال ولم يفقد المسلمون في البحر شيئا سوى عليقة فرس لرجل من المسلمين.

ومع هذا رجع العلاء فجاءه بها ثم قسم غنائم المسلمين فيهم فأصاب الفارس ألفين والراجل ألفا مع كثرة الجيش وكتب إلى الصديق فأعلمه بذلك فبعث الصديق يشكره على ما صنع وقد قال رجل من المسلمين في مرورهم في البحر وهو عفيف بن المنذر … ألم تر أن الله ذلل بحره … وأنزل بالكفار إحدى الجلائل …

دعونا إلى شق البحار فجاءنا … بأعجب من فلق البحار الأوائل ..[3].

غزو فارس

أحب العلاء أن يفعل فعلا في فارس نظير ما فعله سعد فيهم فندب الناس إلى حربهم فاستجاب له أهل بلاده فجزاهم أجزاء فعلى فرقة الجارود بن المعلي وعلى الأخرى السوار بن همام وعلى الأخرى خليد بن المنذر بن ساوى وخليد هو أمير الجماعة فحملهم في البحر إلى فارس وذلك بغير إذن عمر له في ذلك وكان عمر يكره ذلك لأن رسول الله وأبا بكر ما غزيا فيه المسلمين فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا من عند اصطخر فحالت فارس بينهم وبين سفنهم.

فقام في الناس خليد بن المنذر فقال: أيها الناس إنما أراد هؤلاء القوم بصنيعهم هذا محاربتكم وانتم جئتم لمحاربتهم فاستعينوا بالله وقاتلوهم فإنما الأرض والسفن لمن غلب واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا في مكان من الأرض يدعى طاوس ثم أمر خليد المسلمين فترجلوا وقاتلوا فصبروا ثم ظفروا فقتلوا فارس مقتلة لم يقتلوا قبلها مثلها ثم خرجوا يريدون البصرة فغرقت بهم سفنهم ولم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلا ووجدوا شهرك في أهل اصطخر قد اخذوا على المسلمين بالطرق فعسكروا وامتنعوا من العدو.

ولما بلغ عمر صنع العلاء بن الحضرمي اشتد غضبه عليه وبعث إليه فعزله وتوعده وأمره بأثقل الأشياء عليه وابغض الوجوه إليه فقال الحق بسعد بن أبي وقاص فخرج العلاء إلى سعد بن أبي وقاص مضافا إليه وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان أن العلاء بن الحضرمي خرج بجيش فاقطعهم أهل فارس وعصاني وأظنه لم يرد الله بذلك فخشيت عليهم أن لا ينصروا أن يغلبوا وينشبوا فاندب إليهم الناس واضممهم إليك من قبل أن يجتاحوا فندب عتبة المسلمين واخبرهم بكتاب عمر إليه في ذلك فانتدب جماعة من الأمراء الأبطال منهم هاشم بن أبي وقاص وعاصم بن عمرو وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن والأحنف بن قيس وغيرهم في اثني عشر ألفا وعلى الجميع أبو سبرة بن أبي رهم فخرجوا على البغال يجنبون الخيل سراعا فساروا على الساحل لا يلقون أحدا حتى انتهوا إلى موضع الوقعة التي كانت بين المسلمين من أصحاب العلاء وبين أهل فارس بالمكان المسمى بطاوس وإذا خليد بن المنذر ومن معه من المسلمين محصورون قد أحاط بهم العدو من كل جانب وقد تداعت عليهم تلك الأمم من كل وجه وقد تكاملت إمداد المشركين ولم يبق إلا القتال فقدم المسلمون إليهم في أحوج ما هم فيه إليهم فالتقوا مع المشركين رأسا فكسر أبو سبرة المشركين كسرة عظيمة وقتل منهم مقتلة عظيمة جدا واخذ منهم أموالا جزيلة باهرة واستنقذ خليدا ومن معه من المسلمين من أيديهم واعز به الإسلام وأهله ودفع الشرك وذله ولله الحمد والمنة ثم عادوا إلى عتبة بن غزوان إلى البصرة[4].

وفاته

توفي سنة أربع عشرة ومنهم من يقول إنه تأخر إلى سنة إحدى وعشرين[5].

إغلاق
error: Content is protected !!