فيروس العنصرية و الطائفية

فيروس العنصرية و الطائفية

بداية المقال عن أبغض ما يواجه الانسان في حياته الا وهو التمييز الطائفي العنصري ولكن نهايته هو عن الأطفال رمز وعلم كل امة ووطن.

متى ما كان شعار الامة تعليم اطفالها نجحت في الانتقال من مرحلة الى أخرى في المستقبل لسبب واحد فقط لان ما يتعلمه الانسان لا يقوى أحد على استلابه منه. كفاح الامة هو في ان تهب اطفالها القابلية على طرق أبواب المستقبل الجديد بعيداً عن كوابيس الاباء والام الامهات.

هذا الصراع في معاهد العلم هو الذي سيخلق عنصر بشري جديد لا يحمل فيروس الطائفية والعنصرية.

1 ملاحظات عامة و ارتباك المصطلحات

1.1 في الوقت الذي يتطلع فيه العالم الى اكتشاف عقار ينهي البشرية من فيروس الايدز و علاج الجينات نرى العالم العربي والاسلامي يفتك به فيروس من نوع اخر ديني الإطار محتواه البغضاء والعداء يمكن ان نسميه الطائفية. لا تختلف الطائفية في اطارها و محتواها عن العنصرية سوى في التعريف الاكاديمي.

1.2 مصطلح الطائفية كاد يكون محصوراً على وادي الرافدين في القرن العشرين. لم يكن هذا الاستعمال علنياً ويلجأ اليه الانسان احياناً للشكوى من فشله في التطور في الحياة والعبور فوق حواجز يعتقد بانها وضعت امامه بسبب انتسابه الديني الطائفي. يستعملها الكثير على حد سواء متى ما تصور بان هناك شخصاً ما ينصب له العداء الظاهر او الخفي.

1.3 مع بداية العقد الاول من القرن الواحد والعشرين انتشر استعمال هذا المصطلح في كل مكان. يستوعبه الاغلبية ويعرفوه بالنزاع العقائدي بين الشيعة والسنة ويرتبط بقضايا تاريخية قديمة وممارسة طقوس دينية يمارسها فريق ويستنكرها الاخر. اما اليوم فيبدوا ان هناك انواع اخرى لهذا الفيروس فقد أصبح يصيب جميع الاقليات الاسلامية والغير الاسلامية في العالم العربي والاسلامي على حد سواء.

1.4 انتشر فيروس الطائفية الى مختلف اقطار العالم وغيرها حتى أصبح معروفا في جميع انحاء العالم فقد اصبحت كلمة سني مسلم و شيعي مسلم متداولة في اللغات اللاتينية. كان مصطلح شيعي في الغرب كثير الارتباط بالإرهاب الاسلامي وكان رجل الشارع بل وحتى رجال السياسة لا يفرق بين تنظيم القاعدة الارهابي والشيعة. هذا الارتباك مصدره ثقافي و يمكن تتبعه الى كتاب الاستاذ برنارد لويس بعنوان المغتالون Assassins والذي يتناول بالتفصيل ممارسة الاغتيال السياسي الانتحاري للطائفة الإسماعيلية النزارية ضد خصومهم من قادة الدول الاسلامية والامارات الصليبية ايامها. هذا السلوك الانتحاري ومصدره لا يخلوا من الخرافات والاساطير حول استعمال الحشيش (كلمة حشاش تم اقتباسها وأصبحت Assassin في اللاتينية) والمخدرات ودور الحسن الصباح في تجنيد الانتحاريين كما ورد في كتاب الأستاذ المرحوم عباس محمود العقاد عن الفاطميين.

1.5 لعب تنظيم حزب الله دوره في ارتباط مفهوم الارهاب بالشيعة دون الطائفة السنية التي تم حصرها في مفهوم نضال ضد الشيوعية السوفيتية. كان مصطلح المجاهدين Mujahedeenكثير الاستعمال في العالم الغربي ومرتبط بكفاح الافغان ضد الغزو السوفيتي لأراضيهم. هذا المصطلح تلاشى بسرعة بعد حادثة الحادي عشر من ايلول في بداية الالفية الثالثة.

1.6 بعدها بدأ العالم عموما يربط الدين الاسلامي بالإرهاب تدريجيا ولا يفرق بين السني والشيعي. يميل الشارع الى ربط الارهاب الجهادي الانتحاري الموجه ضد الانسان الغربي بالسنة ويربط الارهاب العالمي في السعي الى تدمير العالم بالشيعة بسبب برنامج إيران النووي، لكن مصطلح الاسلامي Islamist وبعد ذلك الجهادي اصبح واسع الانتشار و يطغي على بقية المصطلحات.

 

2 منشأ الفيروس الطائفي

2.1 هناك عدة فرضيات لولادة هذا الفيروس الطائفي واكثرها شيوعاً هي الفرضية الدينية التي تتطرق الى الصراع على الخلافة بعد وفاة الرسول الكريم(ص). لا أحد ينكر قيام مثل هذا الصراع بين المهاجرين والانصار اولاً وبين المهاجرين أنفسهم واختلاق الأعذار والاسباب من مختلف الاطراف حتى وصل الامر بالأساطير الاسلامية الى اختلاق أحاديث متعددة منسوبة الى المصطفى(ص) تسند حجة من يقولها وتنفي حجة خصومه.

2.2 يتم حصر الصراع على السلطة التشريعية والتنفيذية في إطار ديني رغم ان العوامل الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية كانت أكثر اهمية ولكن قلما يتطرق اليها الباحثين في العالم الشرقي الاسلامي دون اقحام الجانب الديني فيها بصورة او بأخرى وبالتالي يطغي على البحث العلمي في تفسير التاريخ.

2.3 ساعد الانقسام الطائفي بين المسلمين على تطور الشعوب الاسلامية ثقافيا وفلسفيا و ظهرت مدارس متعددة . وصل الامر ايام الدولة العباسية على ضرورة استحداث دستور وتشريعات قانونية لتنظيم امور الشعوب والامبراطورية الواسعة، ولم تجد امامها سوى الفكر الديني كمصدر للتشريع حالها حال بقية الأمم ايامها. لم يكن القران الكريم كافياً كمصدر للتشريع المدني والسياسي والقانوني ولم يكن هناك سوى السنة النبوية الشريفة كمصدر مساند لهذا التشريع.

2.4 لا يمكن التحقق من صحة أحاديث منسوبة الى الرسول الكريم بعد أكثر من قرن من الزمان ومحاولة تتبع مصداقية الرواة غير علمية ولا تستند الى قاعدة علمية سليمة. يحاول البعض الاخر استعمال قاعدة وجود ما يوافق او يعارض او لا ينفي صحة الحديث في القرآن الكريم. هذه القاعدة بحد ذاتها أكثر خطورة من الاولى وربما تفسر انتشار الأحاديث النبوية التي تعارض بعضها البعض الاخر والغير معقولة تماما.

2.5 سقطت الامبراطورية الاموية في الاندلس وبدأ الاستقطاب واضحاً في التوزيع الديني للسكان في العالم القديم والحديث في القرن السادس عشر. ظهرت الدولة الصفوية في إيران وتوسعت الامبراطورية العثمانية من بلاد الاناضول الى النمسا. بدأت أوربا تنفصل تدريجياً عن الفكر الديني كمصدر للتشريع وتوجهت نحو الفكر الكلاسيكي لتنظيم امورها وتم حصر الطقوس الدينية كاحتياج روحي فردي وممارسة الطقوس بعيداً عن العلم والثقافة والحياة السياسية. انتبهت الدولة العثمانية الى ضرورة الإصلاح ولكنها فشلت مراراً وتكراراً في عزل الفكر الديني عن إدارة أمور الشعوب. انهارت الدولة العثمانية مع الحرب العالمية الأولى وورثت الشعوب التي كانت تحت سيطرتها التأثير الديني على أمور الانسان وفشلت هي كذلك مراراً وتكراراً في التخلص من تدخل الدين في أمور البلاد الإدارية والثقافية.

 

التفاعل الفردي للطائفية

3.1 يعيش الانسان ضمن مجتمع يميز بين انسان واخر استناداً الى مركزه الثقافي والمادي والمهني. يستقبل الانسان هذا التمييز ويتفاعل معه كما يلي:

3.2 يستعمله كمصدر لتحفيز نفسه من اجل التطور اجتماعيا وثقافياً ومهنيا ضمن حدود مقبولة اجتماعياً وقانونياً. روح التنافس ومواجهة التحديات حقيقة لا يمكن غض النظر عنها ومحاولة السيطرة عليها لا تعم بالفائدة لا على الفرد ولا المجموعة البشرية التي ينتمي اليها وقد تؤدي الى توليد حالة من القناعة المرضية. يتم استغلال الفكر الديني احياناً بالخضوع الى مبدأ القضاء والقدر والقبول بتسلط الاخرين عليه.

3.3 ولكن هناك من يستقبل هذا التمييز ويتفاعل معه بصورة عكسية ويستعمله كطاقة لتوليد الغضب واسقاط اللوم على المجتمع. عملية اسقاط اللوم ليست بالضرورة عملية مرضية ويمكن حصرها وتقييدها مع تطور المجتمع واستعمال الفرد حقه في التعبير عن آرائه في مجتمع مدني متحضر.

3.4 مع شيوع فيروس الطائفية في المجتمع تسهل إصابة الفرد به ويمكن بعد ذلك ملاحظة مميزات الإصابة به وتصنيفها كما يلي:

3.5 مميزات اجتماعية تتمثل في استقطاب الفرد الى مجموعة بشرية يشترك معها في انتسابه الطائفي وممارسة طقوس خاصة بها حتى عند غياب القناعة بإطار ومحتوى هذه الطقوس.

3.6 مميزات نفسية ديناميكية تتمثل في كثرة استعمال انكار الحقيقة وتحويرها في تفسير الاحداث و التغيرات الاجتماعية و السياسية.

3.7 مميزات سلوكية عدوانية ضد الطائفة المقابلة في جميع مجالات الحياة.

3.8 مع مرور الوقت يدخل الانسان مرحلة مرضية تتميز باستعماله الانشطار Splitting أو الانشقاق في جميع مجالات الحياة و في التعامل مع الاخرين واستقطاب الاحداث والناس الى قطبين أحدها موالي له والاخر معادي له، و وضع من ينتمي لهم في إطار المثالية وتحقيره للأخرين وهكذا الحال في كل ما يشعر به او يشاهده. الانقسام بحد ذاته عملية نفسية مرضية وقوية لا تختلف تماما عن انفلاق الذرة والتي تدمر كل ما حولها لا تميز بين عدو وصديق.

3.9 رغم ان فيروس الطائفية الإسلامي كان استعماله محصوراً على الصراع السياسي الديني في العراق و لكنه انتشر في بقية اقطار العالم العربي و الإسلامي ، و توسع و اصبح ظاهرة للتمييز بين المسلم و غير المسلم.

 

 

4 الطريق الى الامام

4.1 نهضة الأمم تعتمد اولاً على دراستها للماضي لكي تفهم حاضرها. الخطوة الثانية تتطلب تقييم الحاضر من اجل وضع اهداف لمستقبل تسعى اليه بحرص و بدون تردد. دون ذلك تبقى الامة في سبات عميق.

4.2 حاضر الامة العربية الإسلامية و موقعها في العالم لا يثير حسد الأمم الأخرى و منها القارة الافريقية و أمريكا اللاتينية. لا يزال انتاجها في بعض الأقطار يعتمد على قوى عاملة اجنبية يتجاوز تعدادها ثلاثة ارباع السكان و هناك حروب أهلية تمزق مواطنيها و تدفعهم الى الهجرة من مكان الى اخر. المؤسسات التعليمية في حالة يرثى لها و المؤسسات الاجتماعية و السياسية غير مؤهلة للعناية بالمواطنين و تطوير حياتهم.

4.3 لا يصعب ملاحظة الارتباك في تعريف الانسان العربي لهويته. هناك اكثر من هوية يتم عرضها على المواطن من عرقية(عربية و غيرها)، إقليمية(القطر)، دينية(إسلامية و غيرها)، الطائفية(شيعية و سنية)، و في العراق و بعض الأقطار العربية هوية عشائرية. يستخدم الانسان العربي احد هذه الهويات بين الحين و الاخر. كانت الهوية العربية اكثر الهويات استعمالاً حتى نكسة 1967 و بعدها بدأت الهوية الدينية الإسلامية تتبوآ مقعدها و انتشر ايضاً استعمال الهويات الأخرى و خاصة الهوية الطائفية. انتشار الهوية Identity Diffusion بحد ذاته يؤدي الى استعمال الانشطار في جميع مجالات الحياة.

4.4 يفتقر العالم العربي ايضاً الى مؤسسات ذات فعالية لتنسيق اموره الاقتصادية و السياسية و اصبح مفهوم الوحدة العربية لا معنى له. الجامعة العربية اكثر المؤسسات العالمية فشلاً في تقديم خدمات لأعضائها و ربما التخلص منها اكثر نفعاً من الاستمرار في مساندتها.

4.5 ولكن يبقى الطريق الوحيد للتخلص من فيروس الطائفية هو التعليم و استخدام وسائل حديثة تشجع الانسان على التفكير التحليلي و البحث العلمي بعيداً عن مفاهيم دينية و طائفية و بالأحرى عنصرية متخلفة تخدع الانسان بعدم الحاجة الى البحث العلمي و الثقافي و الاكتفاء بما هو موجود. الراحة و الاكتفاء الذاتي هو اشد اعداء البحث العلمي و طريق سريع الى التخلف.

إغلاق
error: Content is protected !!