شعر عن الحزن

شعر عن الحزن

مقدمة

الحزن هو شعور قاسٍ يفقد صاحبه كل معاني الحياة، يجعله دوماً مشغول البال محاولاً الخروج من مشكلته، لكنه ليس بالأمر المحمود فلم يكن يوماً حلاً لأي أمر مهما عظم، فلا يصح أن نتركه يتسلل إلى نفوسنا فيقتلها ويسيطر علينا، علينا دوماً أن نعمل على حلّ ما يواجهنا من مشاكل دون التخاذل والاختباء وراء خوفنا ويأسنا، ولا ننكر أن الحزن قد يكون دافعاً للابداع ودافعاً للتقدم، فحتى شعرائنا على مرّ العصور لم يبدعوا لولا ما مرّوا به من تجارب قاسية على اختلافها فانعكست على أشعارهم، وأجمل ما قرأت من قصائد وأبيات شعرية تصف حزن أصحابها أضعه لكم هنا، أبعد الله عنا الحزن أجمعين.

زين العابدين بن الحسين بن علي

قصيدة ليس الغريب

لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِإِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ

إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتـِهِعلى الْمُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ

سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَنـيوَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي

وَلي بَقايــا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُهاالله يَعْلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ

مـَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَنيوقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي

تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍولا بُكاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حـَزَنِ

أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداًعَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي

يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْيَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني

دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُـهـاوَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَزَنِ

كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحــَاًعَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُنــي

وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَـيْ يُعالِجَنـيوَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هـذا اليـومَ يَنْفَعُني

واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُـهامِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ

واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِهاوصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني

وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوابَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ

وَقـامَ مَنْ كانَ حِبَّ النّاسِ في عَجَلٍنَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنــي

وَقــالَ يـا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاًحُراً أَرِيباً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِنِ

فَجــاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَنيمِنَ الثِّيــابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني

وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحـاًوَصـَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني

وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَنيغُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ

وَأَلْبَسُوني ثِيابـاً لا كِمامَ لهـاوَصارَ زَادي حَنُوطِي حيـنَ حَنَّطَني

وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَوا أَسَفاًعَلى رَحِيـلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُنـي

وَحَمَّلوني على الأْكتـافِ أَربَعَةٌمِنَ الرِّجـالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني

وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفواخَلْفَ الإِمـَامِ فَصَلَّى ثـمّ وَدَّعَني

صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لهـاولا سُجـودَ لَعَلَّ اللـهَ يَرْحَمُني

وَأَنْزَلوني إلـى قَبري على مَهَلٍوَقَدَّمُوا واحِداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي

وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَنيوَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني

فَقامَ مُحتَرِمــاً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاًوَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفـارَقَني

وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِمواحُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ

في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هنــاك ولاأَبٌ شَفـيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُنــي

فَرِيدٌ .. وَحِيدُ القبرِ، يــا أَسَفـاًعَلى الفِراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُنـي

وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْمِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني

مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقولُ لهمقَدْ هــَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني

وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهـِمُمَـالِي سِوَاكَ إِلهـي مَنْ يُخَلِّصُنِي

فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يــا أَمَليفَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهــَنِ

تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُواوَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني

واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـا بَدَليوَحَكَّمَتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّكَـنِ

وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَهــاوَصَارَ مَـالي لهم حـِلاً بِلا ثَمَنِ

فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتُهاوانْظُرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَنِ

وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِهاهَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ

خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِهالَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ

يَـا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراًيَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ

يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِيفِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني

يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناًعَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ

ثمَّ الصلاةُ على الْمُختـارِ سَيِّدِنـامَا وَضّـأ البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ

والحمدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْبِحِنَابِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْســانِ وَالمِنَنِ

عماد الدين ألاصبهاني

أرى الحزن لا يجدي على من فقدتهولو كان في حزني مزيد لزدته

تغيرت الأحوال بعدك كلهافلست أرى الدنيا على ما عهدته

عقدت بك الأيمان بالنجح واثقافحلت يد الأقدار ما قد عقدته

وكان اعتقادي أنك الدهر مسعديفخانتني الأيام فيما اعتقدته

أردت لك العمر الطويل فلم يكنسوى ما أراد الله لا ما أردته

فيا وحشة من مؤنس قد عدمتهويا وحدة من صاحب قد فقدته

وداع دعاني باسمه ذاكرا لهفأطربني ذكر اسمه فاستعدته

فقدت أحب الناس عندي وخيرهمفمن لائمي فيه إذا ما نشدته”

احمد مطر

أيّها الحُـزنُ الذي يغشى بِـلادي

أنا من أجلِكَ يغشاني الحَـزَنْ

أنتَ في كُلِّ مكـانٍ

أنتَ في كُلِّ زَمـَنْ .

دائـرٌ تخْـدِمُ كلّ الناسِ

مِـنْ غيرِ ثَمـَنْ .

عَجَبـاً منكَ .. ألا تشكو الوَهَـنْ ؟!

أيُّ قلـبِ لم يُكلّفكَ بشُغلٍ ؟

أيُّ عيـنٍ لم تُحمِّلكَ الوَسَـنْ ؟

ذاكَ يدعـوكَ إلى استقبالِ قَيـدٍ

تلكَ تحـدوكَ لتوديـعِ كَفَـنْ .

تلكَ تدعـوكَ إلى تطريـزِ رُوحٍ

ذاكَ يحـدوكَ إلى حرثِ بَـدَنْ .

مَـنْ ستُرضي، أيّها الحُـزنُ، ومَـنْ ؟!

وَمتى تأنَفُ من سُكنى بـلادٍ

أنتَ فيهـا مُمتهَـنْ ؟!

إنّني أرغـبُ أن أرحَـلَ عنهـا

إنّمـا يمنعُني حُـبُّ الوَطـنْ

الياس حبيب فرحات

كتابُ حياةِ البائسينَ فصولُ

تليها حَواشٍ للأسى وذيولُ

وما العمرُ إِلا دمعةٌ وابتسامةٌ

وما زادَ عن هذي وتلكَ فضولُ

ولولا يدُ الإِنسانِ ما كان للأسى

إِلى شاعرِ الطيرِ البريءِ وُصُولُ”

عباس محمود العقاد

إذا ما تبينَتِ العبوسةُ في امرئٍفلا تلحهُ واسألْ سؤالَ حكيمِ

أَجَلْ سَلْهُ قَبل اللومِ فيما انقباضُهوقيم رَمى الدنيا بطرفِ كظيمِ

لعل طِلابَ الخيرِ سرُّ انقباضِهوعلةُ حزنٍ في الفؤادِ مقيمِ

فما تحمدُ العينانِ كل بشاشةٍولا كلُّ وجهٍ عابسٍ بذميمِ

قطوبُ كريمٍ خابَ في الناسِ سعيُهأحبَّ من البشرى بفوزِ لئيمِ”

ابن رشيق القيرواني

رَأَيْتُ التَّعَزيَّ مما يهيجُعلى المرءِ ساكنَ أو صابِه

وما نالَ ذو أسوةٍ سلوةًولكن أتَى الحُزْنُ من بابه

تفكرَ في مثلِ أرزائهِفذكرَه ما به ما به

علي بن أبي طالب

رأيت الدهرَ مختلفاً يدورُفلا حُزْنٌ يدومُ ولا سرورُ

وقد بَنَتِ الملوكُ به قصوراًفم تبقَ الملوكُ ولا القصورُ

أبو الطيب المتنبي

لا يُحزِنُ اللَهُ الأَميرَ فَإِنَّني

سَآخُذُ مِن حالاتِهِ بِنَصيبِ

وَمَن سَرَّ أَهلَ الأَرضِ ثُمَّ بَكى أَسىً

بَكى بِعُيونٍ سَرَّها وَقُلوبِ

وَإِنّي وَإِن كانَ الدَفينُ حَبيبَهُ

حَبيبٌ إِلى قَلبي حَبيبُ حَبيبي

وَقَد فارَقَ الناسُ الأَحِبَّةَ قَبلَنا

وَأَعيا دَواءُ المَوتِ كُلَّ طَبيبِ

سُبِقنا إِلى الدُنيا فَلَو عاشَ أَهلُها

مُنِعنا بِها مِن جَيأَةٍ وَذُهوبِ

تَمَلَّكَها الآتي تَمَلُّكَ سالِبٍ

وَفارَقَها الماضي فِراقَ سَليبِ

وَلا فَضلَ فيها لِلشَجاعَةِ وَالنَدى

وَصَبرِ الفَتى لَولا لِقاءُ شَعوبِ

وَأَوفى حَياةِ الغابِرينَ لِصاحِبٍ

حَياةُ اِمرِئٍ خانَتهُ بَعدَ مَشيبِ

لَأَبقى يَماكٌ في حَشايَ صَبابَةً

إِلى كُلِّ تُركِيِّ النِجارِ جَليبِ

وَما كُلُّ وَجهٍ أَبيَضٍ بِمُبارَكٍ

وَلا كُلُّ جَفنٍ ضَيِّقٍ بِنَجيبِ

لَئِن ظَهَرَت فينا عَلَيهِ كَآبَةٌ

لَقَد ظَهَرَت في حَدِّ كُلِّ قَضيبِ

وَفي كُلِّ قَوسٍ كُلَّ يَومِ تَناضُلٍ

وَفي كُلِّ طِرفٍ كُلَّ يَومِ رُكوبِ

يَعِزُّ عَلَيهِ أَن يُخِلَّ بِعادَةٍ

وَتَدعو لِأَمرٍ وَهوَ غَيرُ مُجيبِ

وَكُنتُ إِذا أَبصَرتُهُ لَكَ قائِماً

نَظَرتُ إِلى ذي لِبدَتَينِ أَديبِ

فَإِن يَكُنِ العِلقَ النَفيسَ فَقَدتَهُ

فَمِن كَفِّ مِتلافٍ أَغَرَّ وَهوبِ

كَأَنَّ الرَدى عادٍ عَلى كُلِّ ماجِدٍ

إِذا لَم يُعَوِّذ مَجدَهُ بِعُيوبِ

وَلَولا أَيادي الدَهرِ في الجَمعِ بَينَنا

غَفَلنا فَلَم نَشعُر لَهُ بِذُنوبِ

وَلِلتَركُ لِلإِحسانِ خَيرٌ لِمُحسِنٍ

إِذا جَعَلَ الإِحسانَ غَيرَ رَبيبِ

وَإِنَّ الَّذي أَمسَت نِزارٌ عَبيدَهُ

غَنِيٌّ عَنِ اِستِعبادِهِ لِغَريبِ

كَفى بِصَفاءِ الوَدِّ رِقّاً لِمِثلِهِ

وَبِالقُربِ مِنهُ مَفخَراً لِلَبيبِ

فَعُوِّضَ سَيفُ الدَولَةِ الأَجرُ إِنَّهُ

أَجَلُّ مُثابٍ مِن أَجَلِّ مُثيبِ

فَتى الخَيلِ قَد بَلَّ النَجيعُ نَحورَها

يطاعِنُ في ضَنكِ المُقامِ عَصيبِ

يَعافُ خِيامَ الرَيطِ في غَزَواتِهِ

فَما خَيمُهُ إِلّا غُبارُ حُروبِ

عَلَينا لَكَ الإِسعادُ إِن كانَ نافِعاً

بِشَقِّ قُلوبٍ لا بِشَقِّ جُيوبِ

فَرُبَّ كَئيبٍ لَيسَ تَندى جُفونُهُ

وَرُبَّ كَثيرِ الدَمعِ غَيرُ كَئيبِ

تَسَلَّ بِفِكرٍ في أَبيكَ فَإِنَّما

بَكَيتَ فَكانَ الضِحكُ بَعدَ قَريبِ

إِذا اِستَقبَلَت نَفسُ الكَريمِ مُصابَها

بِخُبثٍ ثَنَت فَاِستَدبَرَتهُ بِطيبِ

وَلِلواجِدِ المَكروبِ مِن زَفَراتِهِ

سُكونُ عَزاءٍ أَو سُكونُ لُغوبِ

وَكَم لَكَ جَدّاً لَم تَرَ العَينُ وَجهَهُ

فَلَم تَجرِ في آثارِهِ بِغُروبِ

فَدَتكَ نُفوسُ الحاسِدينَ فَإِنَّها

مُعَذَّبَةٌ في حَضرَةٍ وَمَغيبِ

وَفي تَعَبٍ مَن يَحسُدُ الشَمسَ نورَها

وَيَجهَدُ أَن يَأتي لَها بِضَريبِ

إغلاق
error: Content is protected !!